للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنّه كان منه قصبة سوق متّصلة إلى جامع أحمد بن طولون. وأخبرني بعض المشايخ العدول عن والده - وكان من أكابر الصّلحاء - أنّه قال: عددت من مسجد عبد اللّه إلى جامع ابن طولون ثلاث مائة وتسعين قدر حمّص مصلوق بقصبة هذا السّوق بالأرض، سوى المقاعد والحوانيت التي بها الحمّص (١).

فتأمّل - أعزّك اللّه - ما في هذا الخبر ممّا يدلّ على عظمة مصر، فإنّ هذا السّوق كان خارج مدينة الفسطاط، وموضعه اليوم الفضاء الذي بين كوم الجارح وبين جامع ابن طولون.

ومن المعروف أنّ الأسواق التي تكون بداخل المدينة أعظم من الأسواق التي هي خارجها، ومع ذلك ففي هذا السّوق من صنف واحد من المآكل هذا القدر، فكم ترى تكون جملة ما فيه من سائر أصناف المآكل، وقد كان إذ ذاك بمصر عشرات (a) أسواق كلّها أو أكثرها أجلّ من هذا السّوق؟!

قال: ودرب السّفافريين (b) فيه زقاق بني الرّصاص، كان به جماعتهم (c) إذا عقد عندهم عقد لا يحتاجون إلى غريب، وكانوا هم وأولادهم نحوا من أربعين نفسا (٢).

وقال ابن زولاق في كتاب «سيرة الماذرائيين»: ولمّا قدم الأستاذ مؤنس الخادم من بغداد إلى مصر، استدعى أبو عليّ الحسين بن أحمد الماذرائي المعروف بأبي زنبور، الدّقّاق - وهو الذي نسمّيه اليوم الطّحّان - وقال: إنّ الأستاذ مؤنسا قد وافى، ولي بمشتول قدر ستين ألف أردبّ قمحا، فإذا وافى فقم له بالوظيفة. فكان يقوم له بما يحتاج إليه من دقيق حوّارى مدّة شهر. فلمّا كمل الشهر، قال [له علوان] (d) كاتب مؤنس للدّقّاق: كم لك حتى ندفعه إليك؟ فأعلمه الخبر، فقال: ما أحسب الأستاذ يرضى أن يكون في ضيافة أبي علي. وأعلم مؤنسا بذلك، فقال: أنا آكل خبز حسين! لا يبرح الرجل حتى يقبض ماله.


(a) بولاق: عشرة.
(b) بولاق: السفافير بني.
(c) بولاق: جماعة.
(d) إضافة من المقفى. أقامه الأمير عبد الرحمن كتخدا على ضريح الشيخ المتوفى سنة ٩٣٣ هـ/ ١٥٢٦ م. (الكندي: ولاة مصر ٨٠؛ ابن دقماق: الانتصار ٩١: ٤، ٤٢: ٥؛ وفيما يلي ٢٧٠: ٢، ٢٨٢).
(١) ابن دقماق: الانتصار ٩١: ٤، ٤٢: ٥.
(٢) نفسه ١٩: ٤.