فقام بأمر الملك هارون مدّة … على كظظ (a) من ضيق باع ومن حصر
وما زال حتى زال والدّهر كاشح … عقاربه من كلّ ناحية تسري
تذكّرتهم لمّا مضوا فتتابعوا … كما ارفضّ سلك من جمان ومن شذر
فمن يبك شيئا ضاع من بعد أهله … لفقدهم فليبك حزنا على مصر
ليبك بني طولون إذ بان عصرهم … فبورك من دهر وبورك من عصر
ثم أمر الحسين بن أحمد الماذرائي، متولّي خراج مصر، بهدم الميدان (b)، فابتدئ في هدمه في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وبيعت أنقاضه ودثر كأن لم يكن (١).
وقال محمد بن طشويه (٢):
[البسيط]
من لم ير الهدم للميدان لم يره … تبارك اللّه ما أعلاه وأقدره
لو أنّ عين الذي أنشاه تبصره … والحادثات تعاديه لأكبره
كانت عيون الورى تعشو لهيبته … إذا أضاف إليه الملك عسكره
أين الملوك الّتي كانت تحلّ به … وأين من كان بالإتقان (c) دبّره
وأين من كان يحميه ويحرسه … من كلّ ليث يهاب اللّيث منظره
صاح الزّمان بمن فيه ففرّقهم … وحطّ ريب البلى فيه فدعثره
وأخلق الدّهر منه حسن جدّته … مثل الكتاب محا العصران أسطره
دكّت مناظره واجتثّ جوسقه … كأنّما الخسف فاجأه فدمّره
أو هبّ إعصار نار في جوانبه … فعاد معروفه للعين منكره
كم كان يأوي إليه في مقاصره … أحوى أغنّ غضيض الطّرف أحوره
كم كان فيه لهم من مشرب غدق … فعبّ صرف الرّدى فيه فكدّره
أين ابن طولون بانيه وساكنه … أماته الملك الأعلى فأقبره
/ ما أوضح الأمر لو صحّت لنا فكر … طوبى لمن خصّه رشد فذكّره
(a) الكندي: نكد.
(b) بولاق: الديوان.
(c) بولاق: بالإنقاذ.
(١) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٤١: ٣ - ١٤٢ وهو ينقل عن الخطط، ووردت هذه الفقرة في غير موضعها الصحيح في بولاق.
(٢) الكندي: ولاة مصر ٢٨٣؛ واختار أبو المحاسن ستة أبيات من القصيدة أوردها في النجوم الزاهرة ١٤٢: ٣.