وقتل يومئذ صناديد عسكره ووجوه أصحابه، ونهبت أمواله، وفرّ إلى برقة في ضرّ (١).
وعقد أحمد بن طولون على جيش، وبعث به إلى برقة في رمضان سنة سبع وستين. ثم خرج بنفسه في عسكر عظيم، يقال إنّه بلغ مائة ألف، لثنتي عشرة خلت من ربيع الأوّل سنة ثمان وستين، فأقام بالإسكندرية، وفرّ إليه أحمد بن محمد الواسطي من عند العبّاس، فصغر عنده أمر العبّاس، فعقد على جيش سيّره إلى برقة، فواقعوا أصحاب العبّاس وهزموهم وقتلوا منهم كثيرا، وأدركوا العبّاس لأربع خلون من رجب.
وعاد أحمد إلى الفسطاط لثلاث عشرة خلت منه، وقدم العبّاس والأسرى في شوّال، ثم أخرجوا أوّل ذي القعدة، وقد بنيت لهم دكّة عالية، فضربوا وألقوا من أعلاها (٢).
ثم بعث بلؤلؤ في جيش إلى الشّام، فخالف على أحمد ومال مع الموفّق وصار إليه، فخرج أحمد، واستخلف ابنه خمارويه في صفر سنة تسع وستين، فنزل دمشق - ومعه ابنه العبّاس مقيّد - فخالف عليه أهل طرسوس، فخرج يريد محاربتهم، ثم توقّف لورود كتاب المعتمد عليه؛ أنّه قادم عليه ليلتجئ إليه. فخرج كالمتصيّد من بغداد، وتوجّه نحو الرّقّة؛ فبلغ أبا أحمد الموفّق مسيره - وهو محارب لصاحب الزّنج (٣) - فعمل عليه حتى عاد إلى سامرّا، ووكّل به جماعة، وعقد لإسحاق بن كنداج الحزري على مصر. فبلغ ذلك ابن طولون، فرجع إلى دمشق، وأحضر القضاة والفقهاء من الأعمال، وكتب إلى مصر كتابا قرئ على النّاس: بأنّ أبا أحمد الموفّق نكث بيعة المعتمد، وأسره في دار أحمد بن الخصيب، وأنّ المعتمد قد صار من ذلك إلى ما لا يجوز ذكره وأنّه بكى بكاء شديدا. فلمّا خطب الخطيب يوم الجمعة ذكر ما نيل من المعتمد، وقال:
اللّهم فاكفه من حصره وظلمه.
وخرج من مصر بكّار بن قتيبة وجماعة إلى دمشق، وقد حصر أهل الشّامات والثّغور، فأمر ابن طولون بكتاب فيه خلع الموفّق من ولاية العهد لمخالفة المعتمد وحصره إيّاه، وكتب فيه:«إنّ أبا أحمد الموفّق خلع الطّاعة وبرئ من الذّمّة، فوجب جهاده على الأمّة». وشهد على ذلك جميع
(١) الكندي: ولاة مصر ٢٤٨ - ٢٤٩. (٢) نفسه ٢٤٩ - ٢٥٠؛ وقارن البلوي: سيرة أحمد بن طولون ٢٦٨ - ٢٦٩. (٣) أقلقت ثورة الزّنج التي اشتعلت لمدة أربع عشرة سنة (٢٥٥ - ٨٦٩/ ٢٧٠ - ٨٨٣ م) في جنوب العراق وجنوب غرب فارس الدولة العباسية، ومثّلت تهديدا خطيرا للدولة. (راجع، فيصل السامر: ثورة الزنج، بغداد ١٩٥٤؛ Popovic، A.، La re? volte des esclaves en Iraq au (III?/ IX? sie? cle، Paris ١٩٧٦.