ومنعهم العطاء، وجعل الأتراك أنصار دولته وأعلام دعوته؛ كان من عظمت عنده منزلته، قلّده الأعمال الجليلة الخارجة عن الحضرة، فيستخلف على ذلك العمل الذي تقلّده من يقوم بأمره، ويحمل إليه ماله، ويدعى له على منابره كما يدعى للخليفة. وكانت مصر عندهم بهذه السّبيل.
وقصد المعتصم ومن بعده من الخلفاء بذلك العمل من الأتراك، محاكاة ما فعله الرّشيد بعبد الملك بن صالح، والمأمون بطاهر بن الحسين؛ ففعل المعتصم مثل ذلك بالأتراك، فقلّد أشناس، وقلّد الواثق إيتاخ، وقلّد المتوكّل بغا (a) ووصيف، وقلّد المهتدي يارجوخ (b)، وغير من ذكرناه من أعمال الأقاليم ما قد تضمّنته كتب التاريخ (١).
فتقلّد باكباك مصر، وطلب من يخلفه عليها؛ وكان أحمد بن طولون قد مات أبوه في سنة أربعين ومائتين، ولأحمد عشرون سنة منذ ولد من جارية كانت تدعى قاسم، وكان مولده في سنة عشرين ومائتين، وولدت أيضا أخاه موسى وحبشيّة وسمانة.
وكان طولون من الطّغزغزّ (٢) ممّا حمله نوح بن أسد عامل بخارى إلى المأمون - فيما كان موظّفا عليه - من المال والرّقيق والبراذين وغير ذلك في كلّ سنة، وذلك في سنة مائتين (٣).
فنشأ أحمد بن طولون نشأ جميلا غير نشء أولاد العجم، فوصف بعلوّ الهمّة، وحسن الأدب، والذّهاب بنفسه عما كان يترامى إليه أهل طبقته، وطلب الحديث، وأحبّ الغزو، وخرج إلى طرسوس/ مرّات، ولقي المحدّثين وسمع منهم وكتب العلم، وصحب الزّهّاد وأهل الورع فتأدّب بآدابهم.
وظهر فضله، فاشتهر عند الأولياء، وتميّز على الأتراك، وصار في عداد من يوثق به، ويؤتمن على الأموال والأسرار فزوّجه يارجوخ (b) ابنته، وهي أمّ ابنه العبّاس وابنته فاطمة. ثم إنّه سأل
(a) بولاق: نقا. (b) بولاق: ماجور. (١) هذا نوع من الإقطاع الإداري يعود إلى الفترة التي استولى فيها الأتراك على السلطة في سامرّاء، وبلغ هذا الإقطاع الإداري ذروته في عهدي المعتمد والموفق طلحة، وقد أتاح هذا النظام للوالي أن يستغل عائد ولايته لدفع مرتبات رجاله في مقابل مبلغ متفق عليه يدفع مقدما إلى بيت المال المركزي Fu'?d Sayyid، A.، La Capitale de) (l'E? gypte، p. ٣٥. (٢) الطّغزغز. مصطلح استخدمه المؤرخون المسلمون للتدليل على جنس الأوغور حتى نهاية القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي (انظر المسعودي: التنبيه والإشراف Golden، P.B.، El ٢ art.Toghuzghuz؛ ٨٣ (X، pp. ٥٩٦ - ٩٨. (٣) نقلا عن ابن الداية مصدر ابن سعيد: المغرب (قسم مصر) ٧٣؛ أبو المحاسن: النجوم ٣: ٣.