للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوزير عبيد اللّه بن يحيى أن يكتب له برزقه على الثّغر، فأجابه، وخرج إلى طرسوس فأقام بها، وشقّ على أمّه مفارقته، فكاتبته بما أقلقه.

فلمّا قفل النّاس إلى سرّ من رأى، سار معهم (a) إلى لقاء أمه، وكان في القافلة نحو خمس مائة رجل، والخليفة إذ ذاك المستعين باللّه أحمد بن المعتصم، وكان قد أنفذ خادما إلى بلاد الرّوم لعمل أشياء نفيسة، فلمّا عاد بها - وهي وقر بغل - إلى طرسوس، خرج مع القافلة. وكان من رسم الغزاة أن يسيروا متفرّقين، فطرق الأعراب بعض سوادهم، وجاء الصّائح، فبدر أحمد بن طولون لقتالهم وتبعوه، فوضع السّيف في الأعراب، ورمى بنفسه فيهم حتى استنقذ منهم جميع ما أخذوه وفرّوا منه. وكان من جملة ما استنقذ من الأعراب البغل المحمّل بمتاع الخليفة، فعظم أحمد بما فعل عند الخادم، وكبر في أعين القافلة.

فلمّا وصلوا إلى العراق، وشاهد المستعين ما أحضره الخادم أعجب به، وعرّفه الخادم خروج الأعراب وأخذهم البغل بما عليه، وما كان من صنع أحمد بن طولون، فأمر له بألف دينار، وسلّم عليه مع الخادم، وأمره أن يعرّفه به إذا دخل مع المسلمين، ففعل ذلك. وتوالت عليه صلات الخليفة حتى حسنت حاله، ووهبه جارية اسمها ميّاس استولدها ابنه خمارويه في النصف من المحرّم سنة خمسين ومائتين.

فلمّا خلع المستعين، وبويع المعتزّ، أخرج بالمستعين إلى واسط، واختار الأتراك أحمد بن طولون أن يكون معه، فسلّم إليه ومضى به، فأحسن عشرته، وأطلق له التّنزّه والصّيد، وخشي أن يلحقه منه احتشام، فألزمه كاتبه أحمد بن محمد الواسطي، وهو إذ ذاك غلام حسن الشاهد حاضر النادرة، فأنس به المستعين.

ثم إنّ قبيحة (b) أمّ المعتزّ كتبت إلى أحمد بن طولون بقتل المستعين وقلّدته واسط، فامتنع من ذلك، وكتب إلى الأتراك يخبرهم بأنّه لا يقتل خليفة له في رقبته بيعة. فزاد محلّه عند الأتراك بذلك، ووجّهوا سعيدا الحاجب، وكتبوا إلى ابن طولون بتسليم المستعين له، فتسلّمه منه وقتله، وواراه ابن طولون، وعاد إلى سرّ من رأى، وقد تقلّد باكباك مصر وطلب من يوجّهه إليها، فذكر له أحمد بن طولون، فقلّده خلافته، وضمّ إليه جيشا.

وسار إلى مصر، فدخلها يوم الأربعاء لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين، متقلّدا للقصبة دون غيرها من الأعمال الخارجة عنها كالإسكندرية ونحوها. ودخل معه أحمد


(a) آياصوفيا: وكاتبته بما فعل الناس إلى سر من رأى سار معهم.
(b) بولاق: فتيحة.