قال ابن عبد الحكم: لمّا قدم عمر بن الخطّاب ﵁ الجابية، قام إليه عمرو بن العاص فخلا به، فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي أن أسير إلى مصر وحرّضه عليها وقال: إنّك إن فتحتها كانت قوّة للمسلمين وعونا لهم، وهي أكثر الأرض أموالا، وأعجزها (a) عن القتال والحرب. فتخوّف عمر بن الخطّاب وكره ذلك، فلم يزل عمرو يعظّم أمرها عند عمر بن الخطّاب ويخبره بحالها، ويهوّن عليه فتحها حتى ركن لذلك. فعقد له على أربعة آلاف رجل كلّهم من عكّ، ويقال بل ثلاثة آلاف وخمس مائة. وقال له عمر: سر وأنا مستخير اللّه في مسيرك، وسيأتيك كتابي سريعا إن شاء اللّه تعالى، فإن أدركك كتابي آمرك فيه بالانصراف عن مصر قبل أن تدخلها أو شيئا من أرضها فانصرف، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك، واستعن باللّه واستنصره. فسار عمرو بن العاص من جوف اللّيل، ولم يشعر به أحد من النّاس.
واستخار عمر اللّه، فكأنّه تخوّف على المسلمين في وجههم ذلك، فكتب إلى عمرو بن العاص أن ينصرف بمن معه من المسلمين، فأدرك عمرا الكتاب إذ هو برفح؛ فتخوّف عمرو إن هو أخذ الكتاب وفتحه أن يجد فيه الانصراف كما عهد إليه عمر، فلم يأخذ الكتاب من الرّسول (١) ودافعه، وسار كما هو حتى نزل قرية فيما بين رفح والعريش، فسأل عنها، فقيل إنّها من مصر.
فدعا بالكتاب فقرأه على المسلمين، فقال عمرو لمن معه: ألستم تعلمون أنّ هذه القرية من مصر؟ قالوا: بلى. قال: فإنّ أمير المؤمنين عهد إليّ، وأمرني إن لحقني كتابه ولم أدخل أرض مصر أن أرجع، ولم يلحقني كتابه حتى دخلنا أرض مصر، فسيروا وامضوا على بركة اللّه.
ويقال بل كان عمرو بفلسطين، فتقدّم عمرو بأصحابه إلى مصر بغير إذن، فكتب فيه إلى عمر ﵁ فكتب إليه عمر وهو دون العريش، فحبس الكتاب فلم يقرأه حتى بلغ العريش فقرأه، فإذا فيه:
(a) النسخ. وأعجز والتصويب من ابن عبد الحكم. لبتلر حول موضوع الفتح ظهرت في أكسفورد سنة ١٩٧٨ (نقله إلى العربية عن الطبعة الأولى محمد فريد أبو حديد بعنوان: فتح العرب لمصر، القاهرة ١٩٣٣)؛ وانظر كذلك سيدة إسماعيل كاشف: مصر في فجر الإسلام، القاهرة ١٩٤٧، بيروت ١٩٨٦؛ Jarry، J.، «L'E? gypte et l'invasion musulmane»، An.Isl. ٦ (١٩٦٦)، pp.l- ٢٩; Cristidis، V.، El ٢ art.Misr VII، pp. ١٥٤ - ٥٥; L ٢ Kaegi، W.، «Egypte on the Eve of the Muslim Conquest» in The Cambridge History of Egypt، I، pp. ٣٤ - ٦١. (١) هو عقبة بن عامر الجهني (فيما يلي ٣٠؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٢: ١).