أصالة - رغم أنّه يعتمد على مصادر قديمة - لأنّها فقدت كلّها الآن. فيقدّم لنا المقريزي - اعتمادا على المصادر المعاصرة وعلى مشاهداته الشّخصيّة - وصفا دقيقا لأسوار القاهرة المتعاقبة: سور جوهر القائد، وسوربدر الجمالي، وسور صلاح الدّين، ولأبواب القاهرة سواء الأبواب الأولى التي أنشأها جوهر والتي زال أغلبها في وقته، أو الأبواب التي أنشأها بدر الجمالي وصلاح الدّين.
ورغم أنّ المقريزي - كعادته في سائر الكتاب - لا يقدّم لنا أيّ وصف معماريّ لهذه الأبواب أو أبعادها وارتفاعاتها وما تمتاز به عمارتها، إنّما يكتفي فقط بالتأريخ لإنشائها وملابساته ومن أنشأها وما طرأ عليها مع الزّمن، وبتحديد مواضعها من المدينة الفاطميّة، اعتمادا على نقاط استدلال كانت موجودة في وقته وما زال بعضها قائما حتى الآن، فإنّ وصفه - رغم ذلك - يظلّ أكمل وأتمّ وصف نتعرّف من خلاله على تاريخ معالم القاهرة وأهمّ منشآتها.
كما يقدّم لنا المقريزي أيضا - اعتمادا على المصادر المبكّرة - وصفا رائعا للقصور الفاطميّة:
«القصر الشّرقي الكبير» و «القصر الغربي الصّغير»، وأهمّ القاعات التي كانت في هذه القصور والدّهاليز التي كانت تؤدّي إليها، مع وصف تفصيلي لمجالس الخلفاء في هذه القاعات ومن كان من عادته حضورها وترتيب جلوسهم فيها قربا وبعدا من الخليفة، وكذلك وصف للأسمطة التي كانت تمدّ فيها، سواء في رمضان أو في الأعياد، ممّا يعيننا على بناء الطّبوغرافيا الدّاخليّة لقسم كبير من القصر الفاطمي.
ويشتمل هذا الجزء كذلك على وصف لخزائن القصر الفاطمي المختلفة وما كانت تحتوي عليه من ذخائر وتحف، وعلى عرض متكامل للدّواوين الفاطميّة، ووصف ل «دار الوزارة الكبرى» ولل «مناظر» التي اتّخذها الخلفاء الفاطميّون للنّزهه، وأهمّ الاحتفالات الموكبيّة في العصر الفاطمي والرّسوم المتّبعة فيها والطّريق الذي كانت تسلكه، مع تحديد مواضع المنشآت الفاطميّة، فيما عدا الجوامع التي أفرد لها حديثا مفصّلا في المجلّد الرّابع (٢٧٣: ٢ - ٢٩٣). وأنهى المقريزي هذا الجزء بالحديث على زوال الدّولة الفاطميّة واعتقال من بقي من أفرادها، أوّلا في «دار الضّيافة» ثم في «قلعة الجبل» حتى أشهد السّلطان الملك الظّاهر بيبرس البندقداري في ١٣ جمادى الأولى سنة ٦٦٠ هـ/ ١٢٦٢ م على من بقي منهم أنّ جميع المواضع التي حلّت محلّ القصور الفاطميّة والمناظر ودار الضّيافة ودار الفطرة «ملك لبيت المال بالنّظر المولوي السّلطاني الملكي الظّاهري من وجه صحيح شرعي لا رجعة لهم فيها … خلا ما في ذلك من مسجد للّه أو مدفن لآبائهم»(فيما يلي ٢٨٧، ٦١٠).