للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي وقته عمل يوسف الفيّوم، فإنّ أهل مصر كانوا وشوا به إلى الملك، وقالوا: قد كبر ونقص نفعه، فاختبره، فقال له: إنّي وهبت هذه النّاحية لابنتي - وكانت مغايض للماء - فدبّرها لها، فعملها يوسف، واحتال للمياه حتى أخرجها وقلع أدغالها (a)، وساق المنهى وبنى اللاّهون، وجعل الماء فيها مقسوما موزونا، وفرغ منها في شهور أربعة، فعجبوا من حكمته.

ويقال إنّه أوّل من هندس بمصر.

ومات نهراوش، فخلف ابنه دريموس (b)، وسمّته أهل الأثر دارم بن الرّيّان، هو الفرعون الرّابع عندهم، فخالف سنّة أبيه (١). وكان يوسف خليفته، فقبل منه بعضا، وخالفه في البعض.

فمات يوسف في أيّامه وله مائة وعشرون سنة، فكفّن وجعل في تابوت من رخام، ودفن في الجانب الغربي فأخصب ونقص الشّرقي، فحوّل إليه فأخصب ونقص الغربي، فاتّفقوا على أن يجعلوه في الشرقي عاما وفي الغربي عاما، ثم حدث لهم من الرّأي أن يجعلوا له حلقا وثاقا ويشدّوا التّابوت في وسط النّيل، فأخصب الجانبان كلاهما (٢).

وقال ابن عبد الحكم: فملكهم الرّيّان بن الوليد بن دومغ، وهو صاحب يوسف النّبي فلمّا رأى الملك رؤياه التي رأى وعبّرها يوسف، أرسل إليه الملك فأخرجه من السّجن، قال ابن عبّاس : فأتاه الرّسول فقال: ألق عنك ثياب السّجن، والبس ثيابا جددا، وقم إلى الملك، فدعا له أهل السّجن، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة، فلمّا أتاه، رأى غلاما حدثا فقال: أيعلم هذا رؤياي ولا تعلمها السّحرة والكهنة؟ وأقعده قدّامه وقال له: لا تخف؛ قال: فلمّا استنطقه وسأله، عظم في عينيه، وجلّ أمره في قلبه (c)، فدفع إليه خاتمه، وولاّه ما خلف بابه، وألبسه طوقا من ذهب وثياب حرير، وأعطاه دابّة مسرجة مزيّنة كدابّة الملك، وضرب بالطّبل بمصر أنّ يوسف خليفة الملك.

وعن عكرمة أنّ فرعون قال ليوسف: قد سلطنتك على مصر، غير أنّي أريد أن أجعل كرسيّ أطول من كرسيك بأربع أصابع؛ وأجلسه/ على السّرير، ودخل الملك بيته مع


(a) بولاق: أوحالها.
(b) بولاق: ذرمجوش.
(c) بولاق: وجعل إليه أمره.
(١) فيما تقدم ٣٨٤ - ٣٨٥.
(٢) انظر تفاصيل قصة يوسف عند النويري: نهاية الأرب ١٣٦: ١٣ - ١٥٦؛ وقارن مع ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٨ - ١٩.