للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومدينة الأصنام، وهلكت عاد بالرّيح في آخر أيّامه؛ وأثار من المعادن ما لم يثره غيره، وكان يتّخذ من الذّهب مثل حجر الرّحى، ومن الزّبرجد مثل الأسطوانة، ومن الأسباذشم في صحراء الغرب كالقلّة. وعمل من العجائب شيئا كثيرا، وبنى منارا عاليا على جبل قفط يرى منه البحر الشرقيّ، ووجد هناك معدن زئبق فعمل منه تمثالا كالعمود لا ينحلّ ولا يذوب. وعمل البركة التي سمّاها صيّادة الطّير، إذا مرّ عليها طائر سقط فيها، ولم يقدر على الحركة حتى يؤخذ. وهذه البركة يقال إنّها هناك إلى الآن، وأمّا المنار فسقط.

وعمل عجائب كثيرة. وفي أيّامه أثار عبادة الأصنام التي كان الطّوفان غرّقها، وزيّن الشّيطان أمرها وعبادتها؛ ويقال إنّه بنى المدائن الدّاخلة وعمل فيها عجائب.

وبنى غربيّ النّيل وخلف الواحات الدّاخلة، مدنا عمل فيها عجائب كثيرة، ووكّل بها الرّوحانيين الذين يمنعون منها، فما يستطيع أحد أن يدنو إليها ولا يدخلها إلاّ أن يعمل قرابين لأولئك الرّوحانيين.

وأقام قفطريم ملكا أربع مائة وثمانين سنة، وأكثر العجائب عملت في وقته ووقت ابنه البودسير. ولذلك كان الصّعيد أكثر عجائب من أسفل الأرض (a)، لأنّ حيّز قفطريم فيه.

ولمّا حضرت (b) قفطريم الوفاة، عمل له (c) ناووس في الجبل الغربي قرب مدينة الكهّان، في سرب تحت الأرض معقود على أزج إلى الأرض، ونقر تحت الجبل دارا واسعة، وجعل دورها خزائن منقورة، وفي سقفها مسارب للرّياح، وبلّط السّرب وجميع الدار بالمرمر؛ وجعل في وسط الدار مجلسا على ثمانية أركان، مصفّحا بالزّجاج الملوّن المسبوك، وجعل في سقفه جواهر تسرج، وجعل في كلّ ركن من أركان المجلس تمثالا من الذّهب بيده كالبوق الذي يبوق به؛ وتحت القبّة دكّة مصفّحة بذهب، ولها حواف من زبرجد، وفوق الدّكّة فرش من حرير، وجعل عليها جسده بعد أن لطّخ بالأدوية المجفّفة، ووضع في جانبه آلات كافور، وسدلت عليه ثياب منسوجة بالذّهب، ووجهه مكشوف، وعلى رأسه تاج مكلّل، وعن جوانب الدّكّة أربعة تماثيل مجوّفات من زجاج مسبوك، في صور النساء بأيديهن مراوح من ذهب، وعلى صدره من فوق الثّياب سيف فاخر قائمته من زبرجد.

وجعل في تلك الخزائن من الذّخائر وسبائك الذّهب والتّيجان والجوهر وبراني الحكم وأصناف العقاقير والطّلّسمات ومصاحف العلوم ما لا يحصى كثرة.


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: حضر.
(c) زيادة من النويري.