للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان فيما غلب عليه البحر مقطع الرّخام الأبلق، وأنّ مقطع الأبيض بلوبية.

وقال يحيى بن عثمان: كنت أرابط في الفرما، وكان بينها وبين البحر قريب من يوم، يخرج النّاس والمرابطون في أخصاص على السّاحل، ثم علا البحر على ذلك كلّه.

/ وقال ابن قديد: توجّه ابن المدبّر - وكان بتنّيس - إلى الفرما في هدم أبواب من حجارة شرقي الحصن احتاج أن يعمل منها جيرا. فلمّا قلع منها حجر أو حجران خرج أهل الفرما بالسّلاح فمنعوا من قلعها وقالوا: هذه الأبواب التي قال اللّه فيها على لسان يعقوب :

﴿يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَاُدْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ﴾ [الآية ٦٧ سورة يوسف].

والفرما بها النّخل العجيب الذي يثمر حين ينقطع البسر والرّطب من سائر الدّنيا، فيبتدئ هذا الرّطب من حين بلد النّخل في الكوانين، فلا ينقطع أربعة أشهر حتى يجيء البلح في الرّبيع. وهذا لا يوجد في بلد من البلدان، لا بالبصرة، ولا بالحجاز، ولا باليمن، ولا بغيرها من البلدان. ويكون في هذا البسر ما وزن البسرة الواحدة فوق العشرين درهما، وفيه ما طول البسرة نحو الشّبر والفتر (١).

وقال ابن المأمون البطائحي في حوادث سنة تسع وخمس مائة: ووصلت النّجّابون من والي الشّرقيّة تخبر بأنّ بغدوين [Boldwin] ملك الفرنج وصل إلى أعمال الفرما؛ فسيّر الأفضل بن أمير الجيوش للوقت إلى والي الشّرقيّة بأن يسيّر المركزيّة والمقطعين بها، وسيّر الراجل من العطوفيّة، وأن يسير الوالي بنفسه بعد أن يتقدّم إلى العربان بأسرهم بأن يكونوا في الطّوالع، ويطاردوا الفرنج، ويشارفوهم باللّيل قبل وصول العساكر إليهم، فاعتمد ذلك. ثم أمر بإخراج الخيام وتجهيز الأصحاب والحواشي؛ فلمّا تواصلت العساكر وتقدّمها العربان، وطاردوا الفرنج، وعلم بغدوين [Boldwin] ملك الفرنج أنّ العساكر متواصلة إليه، وتحقّق أنّ الإقامة لا تمكنه، أمر أصحابه بالنّهب والتّخريب والإحراق، وهدم المساجد، فأحرق جامعها ومساجدها وجميع البلد، وعزم على الرّحيل، فأخذه اللّه ، وعجّل بنفسه إلى النّار. فكتم أصحابه موته، وصاروا بعد أن شقّوا بطن بغدوين وملاؤه ملحا حتى بقي إلى بلاده، فدفنوه بها (٢).

وأمّا العساكر الإسلامية، فإنّهم شنّوا الغارات على بلاد العدوّ، وعادوا بعد أن خيّموا على ظاهر عسقلان.


(١) ابن الكندي: فضائل مصر ٣٤ - ٣٥؛ وقارن ابن زولاق: فضائل مصر وأخبارها ٥٧ - ٥٨؛ ابن ظهيرة: الفضائل الباهرة ٥٤.
(٢) قارن، المقريزي: اتعاظ الحنفا ٥٣: ٣، المقفى الكبير ٤٤٠: ٢؛ أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ١٧١: ٥ وفيه: «فشقّ أصحابه بطنه وصبروه، ورموا حشوته هناك، فهي ترجم