للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه النّاحية التي فيها ما ذكرته بلدان واسعة مسيرة شهرين في شهرين، يزرع جميعها في وقت واحد.

وميرة بلد علوة ومتملّكهم من هذه النّاحية، فيوجّهون المراكب فتوسق، وربّما وقع بينهم حرب.

قال: وهذه الحكاية صحيحة معروفة مشهورة عند جميع النّوبة والعلوة، وكلّ من يطرق ذلك البلد من تجّار المسلمين لا يشكّون فيه، ولا يرتابون به، ولولا أنّ اشتهاره وانتشاره ممّا لا يجوز التّواطؤ على مثله، لما ذكرت شيئا منه لشناعته. فأمّا أهل النّاحية فيزعمون أنّ الجنّ تفعل ذلك، وأنّها تظهر لبعضهم وتخدمهم بحجارة ينطاعون لهم بها، وتعمل لهم عجائب، وأنّ السّحاب يطيعهم.

قال: ومن عجائب ما حدّثني به متملّك المقرّة للنّوبة، أنّهم يمطرون في الجبال، ويلتقطون منه للوقت سمكا على وجه الأرض. وسألتهم عن جنسه فذكروا أنّه صغير القدر بأذناب حمر.

قال: وقد رأيت جماعة وأجناسا ممّن تقدّم ذكر أكثرهم، يعترفون بالباري ، ويتقرّبون إليه بالشّمس والقمر والكواكب، ومنهم من لا يعرف الباري ويعبد الشّمس والنّار، ومنهم من يعبد كلّ ما استحسنه من شجرة أو بهيمة.

وذكر أنّه رأى رجلا في مجلس عظيم المقرّة سأله عن بلده فقال: مسافته إلى النّيل ثلاثة أهلّة.

وسأله عن دينه فقال: ربّي وربّك اللّه، وربّ الملك وربّ النّاس كلّهم واحد؛ وأنّه قال له: فأين يكون؟ قال: في السّماء وحده.

وقال إنّه إذا أبطأ عنهم المطر، أو أصابهم الوباء، أو وقع بدوابهم آفة، صعدوا الجبل، ودعوا اللّه فيجابون للوقت، وتقضى حاجتهم قبل أن ينزلوا. وسأله: هل أرسل فيكم رسول؟ قال:

لا؛ فذكر له بعثة موسى وعيسى ومحمّد صلوات اللّه عليهم وسلامه، وما أيّدوا به من المعجزات، فقال: إذا كانوا فعلوا هذا فقد صدقوا؛ ثم قال: قد صدّقتهم إن كانوا فعلوا.

قال مؤلّفه: وقد غلب أولاد كنز الدّولة (١) على النّوبة وملكوها من سنة … (a) وبني بدنقلة جامع يأوي إليه الغرباء.


(a) بياض في الأصل.
(١) انظر حول بني الكنز فيما يلي ٥٣٩.