للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجد في مدينة الأعوج، أعوام بضع وستين وسبع مائة، جبّ بقلعتها بعيد المهوى، يبلغ عمقه نحو مائة باع (a)، وبقاعه عدّة أسفار على رفوف، حمل منها سفر طوله ذراعان وأزيد، قد غلّف بلوحين من خشب، وكتابة بالقلم المسند، طول الألف واللام نحو شبر. فوجد ببلاد الكرك من قرأه، فإذا هو سفر من عشرة أسفار، قد ابتدأه بحمد اللّه، ثم قال: خروج موسى من أرض مصر إلى بلاد مدين، وملوك بني مدين فيما بعد شعيب. فذكر لموسى عدّة أسماء منها: اسمه بالعربية موسى بن عمران، وبالعبرانية موشي، وبالفارسية داران، وبالقبطيّة هروهسيس؛ وذكر أنّه تزوّج ابنة شعيب، وأنّه أقام بمدين ثماني حجج، ثم قال لابنة شعيب: قد أتممت لك شرطك، وسأزيدك من عندي (b) سنتين فضلا منّي (c).

قال (١): وخرج موسى متوجّها إلى مصر، والملك يومئذ على مدين أبجد. قال: وقوي أمر أبجد، فطغى حتى ملك الحجاز واليمن، وكان له خمسة أولاد، هم: هوّز، وحطّي، وكلمن، وسعفص، وقرشت. فأقام أبجد ملكا باليمن مائة سنة ومات.

وقد استخلف من بعده ابنه كلمن باليمن، وجعل ابنه هوّز على الحجاز، وابنه حطّي على أرض مصر، وابنه سعفص على الجزيرة وبلادها حيث الموصل وحرّان إلى أرض العراق، وابنه قرشت على العراق ومشارفها من خراسان. وكان قرشت هو الجبّار فيهم، وكان سعفص وهوّز وكلمن أهل عدل وحلم، وكان حطّي صاحب بطش وحرب (d). وكان بنو إسرائيل إذ ذاك بالشّام، فلم يملك أولاد أبجد أرض الشّام، ولا احتووا عليها. وكانت مدّة ملكهم نحوا من مائة وخمسين سنة؛ فتمّ لهم بدولة أبيهم أبجد ثلاث مائة سنة وأزيد. ثم ملك بعدهم على بني إسرائيل روزيب بن هوّز، وعزريب بن حطّي بن أبجد، نحو سبع سنين. ثم خرجت الدولة عن أولاد أبجد. وأقام هذا الكتاب عندهم زمانا، ثم أعادوه إلى الجبّ من قلعة الأعوج.

حدّثني بهذا الخبر الحافظ المتقن الضّابط أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الرّحمن الفرّياني التّونسي المالكي (٢)، قال: حدّثني به شتيّ بن غنيم العامريّ - شيخ لقيه بأرض فلسطين - أنّه شاهد هذا الكتاب (e) وهو شاب، وحفظ منه ما تقدّم ذكره.


(a) بولاق: ذراع.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) بعد ذلك في بولاق والنسخ التي من عائلتها عنوان هو: بقية خبر مدينة مدين.
(d) بولاق: وجرأة.
(e) بولاق: شاهد الكتاب المذكور.
(١) لم يحدد المقريزي مصدر هذا القول.
(٢) انظر عنه فيما تقدم ٤٣٧.