حتى هرب، وأنّهم عاثوا في البلد وأفسدوا، ومدّوا أيديهم إلى النّاس، وقطعوا الطّرقات، وأخذوا من المودع ألفا وخمس مائة دينار. فقام الجرجرائي وقعد، وقال: كيف يفعل هذا بخزانة السّلطان؟ وساءنا فعل هذا بتنّيس أو بيت المال، وسيّر خمسين فارسا للقبض على الجناة (١).
ومازالت تنّيس مدينة عامرة، ليس بأرض مصر مدينة أحسن منها، ولا أحصن من عمارتها، إلى أن خرّبها الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيّوب، في سنة أربع وعشرين وستّ مائة، فاستمرّت خرابا، ولم يبق منها إلاّ رسومها في وسط البحيرة (٢).
وكان من جملة كورة تنّيس: بورا، ومناها (a)، وأبوان، وشطا. وبحيرتها الآن يصاد منها السّمك، وهي قليلة العمق يسار فيها بالمعادي، وتلتقي السّفينتان هذه صاعدة وهذه نازلة بريح واحدة، وقلع كلّ واحدة منهما مملوء بالرّيح، سيرهما في السّرعة مستو.
وبوسط (b) البحيرة عدّة جزائر تعرف اليوم بالعزب (جمع عزبة بضم العين المهملة وزاي ثم باء موحّدة)، يسكنها طائفة من الصّيّادين وفي بعضها ملاّحات يؤخذ منها ملح عذب لذيذ ملوحته، وماؤها ملح وقد يحلو أيام النّيل.
تونة: وكان من جملة معاملة (c) مدينة تنّيس قرية يقال لها تونة، يعمل بها طراز تنّيس، ويصنع بها من جملة الطّراز كسوة الكعبة أحيانا (٣).
قال الفاكهيّ: ورأيت أيضا كسوة لهارون الرّشيد، من قباطي مصر، مكتوبا عليها:
«بسم اللّه، بركة من اللّه للخليفة الرّشيد عبد اللّه هارون أمير المؤمنين، أكرمه اللّه، ممّا أمر به الفضل بن الرّبيع أن يعمل في طراز تونة سنة تسعين ومائة»(٤).
(a) بولاق: منها. (b) بولاق: توسط. (c) بولاق: عمل. (١) المسبحي: أخبار مصر ٥٧؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ١٥٧: ٢. (٢) النويري: نهاية الأرب ١٣٩: ٢٩ - ١٤٠؛ ابن دقماق: الانتصار ٧٩: ٥؛ المقريزي: السلوك ٢٢٤: ١. (٣) تونة: يدل على موقعها اليوم الجزيرة التي تعرف بجزيرة سيدي عبد اللّه بن سلاّم الواقعة في بحيرة المنزلة شرقي بلدة المطرية وعلى بعد أربعة كيلومترات منها، ولا تزال آثار أطلال هذه القرية ظاهرة بالجزيرة باسم كوم ابن سلام (ياقوت: معجم البلدان ٦٢: ١؛ ابن دقماق: الانتصار ٧٩: ٥؛ محمد رمزي: القاموس الجغرافي ١٩٨: ١ - ١٩٩؛ ٦١ .. (Maspero & Wiet، Materiaux p (٤) لم أعثر على هذا النص فيما نشره وستنفلد من تاريخ الفاكهي.