للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن يزيد بن أبي حبيب أنّ المسلمين لمّا سكنوا الإسكندرية في رباطهم، ثم قفلوا ثم غزوا ابتدروا، فكان الرّجل يأتي المنزل الذي كان فيه صاحبه قبل ذلك، فيبتدره فيسكنه. فلمّا غزوا، قال عمرو: إنّي أخاف أن تخربوا المنازل إذا كنتم تتعاورونها. فلمّا كان عند الكريون قال لهم:

سيروا على بركة اللّه، فمن ركّز منكم رمحه في دار فهي له ولبني أبيه (a).

فكان الرّجل يدخل الدّار فيركز رمحه في منزل منها، ثم يأتي الآخر فيركز رمحه في بعض بيوت الدّار، فكانت الدار تكون لقبيلتين وثلاث وكانوا يسكنونها، حتى إذا قفلوا سكنها الرّوم وعليهم مرمّتها. وكان يزيد بن أبي حبيب يقول: لا يحلّ من كرائها شيء ولا بيعها، ولا يورث منها شيء، إنّما كانت لهم يسكنونها في رباطهم (١).

وعن يزيد بن أبي حبيب أنّ عمرو بن العاص لمّا فتح الإسكندرية، ورأى بيوتها وبناءها مفروغا منها، همّ أن يسكنها وقال: مساكن قد كفيناها. فكتب إلى عمر بن الخطّاب يستأذنه في ذلك؛ فسأل عمر الرّسول: هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين إذا جرى النّيل.

فكتب عمر إلى عمرو: «إنّي لا أحبّ أن تنزل المسلمين منزلا يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف (b)»؛ فتحوّل عمرو بن العاص من الإسكندرية (c) إلى الفسطاط.

قال: وكتب عمر بن الخطّاب إلى سعد بن أبي وقّاص وهو نازل بمدائن كسرى، وإلى عامله بالبصرة، وإلى عمرو بن العاص وهو نازل بالإسكندرية: «ألاّ تجعلوا بيني وبينكم ماء، متى ما أردت أن أركب إليكم راحلتي حتى أقدم عليكم، قدمت». فتحوّل سعد بن أبي وقّاص من مدائن كسرى إلى الكوفة، وتحوّل صاحب البصرة من المكان الذي كان فيه فنزل البصرة، وتحوّل عمرو بن العاص من الإسكندرية إلى الفسطاط (٢).

وكان عمر بن الخطّاب يبعث في كلّ سنة غازية من أهل المدينة ترابط بالإسكندرية؛ وكان على الولاة: لا يغفلها، وتكثف رابطتها (d)، ولا تأمن الرّوم عليها.


(a) بولاق: بنيه.
(b) بولاق: شتاء ولا صيفا.
(c) ساقطة من بولاق.
(d) بولاق: مرابطها.
(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٣٠ - ١٣١.
(٢) نفسه ٩١؛ ابن سعيد: المغرب ٣٩ - ٤٠؛ وفيما يلي ٢٩٦: ١.