الملكة بنتها وجعلتها مرقبا لمن يرد من العدوّ إلى بلدهم؛ ومن النّاس من رأى أنّ العاشر من فراعنة مصر هو الذي بناها؛ ومنهم من رأى أنّ الذي بنى مدينة رومة هو الذي بنى مدينة الإسكندرية ومنارتها والأهرام بمصر، وإنّما أضيفت الإسكندرية إلى الإسكندر لشهرته باستيلائه على الأكثر من ممالك العالم فشهرت به.
وذكروا في ذلك أخبارا كثيرة يستدلّون بها على ما قالوا، و [أنّ] (a) الإسكندر لم يطرقه في هذا البحر عدوّ، ولا هاب ملكا يرد إليه في بلده ويغزوه في داره، فيكون هو الذي جعلها مرقبا؛ وأنّ الذي بناها جعلها على كرسي من الزّجاج على هيئة السّرطان في جوف البحر، وعلى طرف اللّسان الذي هو داخل في البحر من البرّ، وجعل على أعلاها تماثيل من النّحاس وغيره؛ منها تمثال قد أشار بسبّابته من يده/ اليمنى نحو الشّمس أينما كانت من الفلك، وإذا علت في الفلك فأصبعه يشير بها نحوها، فغذا انخفضت صارت يده سفلا تدور معها حيث دارت؛ ومنها تمثال يشير بيده إلى البحر، إذا صار العدوّ منه على نحو من ليلة، فإذا دنا وجاز أن يرى بالبصر لقرب المسافة، سمع لذلك التّمثال صوت هائل يسمع من مسيرة ميلين أو ثلاثة، فيعلم أهل المدينة أن العدوّ قد دنا منهم فيرمقونه بأبصارهم؛ ومنها تمثال كلّما مضى من اللّيل أو النّهار ساعة، سمعوا له صوتا بخلاف ما صوّت في الساعة التي قبلها، وصوته مطرب.
وقد كان ملك الرّوم في ملك الوليد بن عبد الملك بن مروان أنفذ خادما من خواصّ خدمه ذا رأي ودهاء، فجاء مستأمنا إلى بعض الثّغور، فورد بآلة حسنة ومعه جماعة، فجاء إلى الوليد فأخبره أنّه من خواصّ الملك، وأنّه أراد قتله لموجدة وحال بلغته عنه لم يكن لها أصل، وأنّه استوحش ورغب في الإسلام؛ فأسلم على يد الوليد، وتقرّب من قلبه، وتنصّح إليه في دفائن استخرجها له من بلاد دمشق وغيرها من الشّام بكتب كانت معه فيها صفات تلك الدّفائن. فلمّا صارت إلى الوليد تلك الأموال والجواهر شرهت نفسه، واستحكم طمعه، فقال له الخادم:«يا أمير المؤمنين، إنّ ههنا أموالا وجواهر ودفائن للملوك»؛ فسأله الوليد عن الخبر فقال: «تحت منار (b)
(a) زيادة من المسعودي. (b) بولاق: منارة. تاريخ الإسكندرية وحضارتها في العصر الإسلامي ٢٨ - ٣٤. وعن آثار الإسكندرية القديمة في كتابات المؤلفين العرب القدماء، انظر دراسة صالح حمارنة Hamarneh، S.K.، «The Ancient Monuments of Alexandria according to Accounts by Medieval Arab Authors (IX-XV century)»، Folia Orientalia ١٣، pp. ٧٧ - ١١٠ (١٩٧١).