للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحبال، فلمّا أحسّ بذلك من في المركبين جذبوا الحبال وأخرجوا التابوت. فخرج الإسكندر، وأمر صنّاع الحديد والنّحاس والحجارة فعملوا تماثيل تلك الدّواب على ما صوّر، فلمّا فرغوا منها وضعت على العمد بشاطئ البحر، ثم أمرهم فبنوا؛ فلمّا جنّ اللّيل ظهرت الدّوابّ والآفات من البحر، فنظرت إلى صورها على العمد مقابلة إلى البحر، فرجعت ولم تعد بعد ذلك … فبنيت الإسكندرية وشيّدت.

وأمر الإسكندر أن يكتب على أبوابها: «هذه الإسكندريّة، أردت أن/ أبنيها على الفلاح والنّجاح واليمن والسّعادة والسّرور والثّبات في الدّهور، ولم يرد الباري ﷿ مالك السّموات والأرض ومفني الأمم أن يبنيها (a) كذلك، فبنيتها وأحكمت بنيانها وشيّدت سورها.

وآتاني اللّه ﷿ من كلّ شيء علما وحكمة، وسهّل لي وجوه الأسباب فلم يتعذّر عليّ في العالم شيء مما أردته، ولا امتنع عنّي شيء ممّا طلبته، لطفا من اللّه ﷿ وصنعا لي وصلاحا لعباده من أهل عصري، والحمد للّه رب العالمين، لا إله إلاّ هو ربّ كل شيء». ورسم بعد هذه الكتابة كلّ ما يحدث ببلده من الأحداث بعده في مستقبل الزّمان من الآفات والعمران والخراب، وما يؤول أمرها إليه إلى وقت دثور العالم.

وكان بناء الإسكندرية طبقات، وتحتها قناطر مقنطرة عليها دور المدينة، يسير تحتها الفارس وبيده رمح لا تضيق به حتى يدور جميع تلك الآزاج والقناطر التي تحت المدينة. وقد عمل لتلك العقود والآزاج مخاريق، ومتنفّسات للضّياء، ومنافذ للهواء. وقد كانت الإسكندريّة تضيء باللّيل بغير مصباح لشدّة بياض الرّخام والمرمر، وكانت أسواقها وشوارعها وأزقّتها مقنطرة كلّها لا يصيب أهلها شيء من المطر. وكان عليها سبعة أسوار من أنواع الحجارة المختلفي اللّون (b)، بينها خنادق، وبين كلّ خندق وسور فضول، وربّما تعلّق في المدينة شقاق الحرير الأخضر لاختطاف بياض الرّخام أبصار الناس لشدّة بياضه.

فلمّا أحكم بناءها وسكنها أهلها، كانت آفات البحر وسكّانه - على ما زعم الإخباريون من المصريين والإسكندريين - تختطف باللّيل أهل المدينة، فيصبحون وقد فقد منهم العدد الكثير؛ فلمّا علم بذلك الإسكندر اتّخذ الطّلّسمات على أعمدة هنالك تدعى المسالّ، وهي باقية إلى هذه الغاية، كلّ واحد من هذه الأعمدة على هيئة السّروة، وطول كلّ واحد منها


(a) بولاق: يثبتها، مروج: أبنيها.
(b) بولاق: المختلفة الألوان.