للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلاّ وجميع أجناده معه، ويأخذ غلمان أجناده كلّ يوم الطّعام من مطبخه، وإذا رأى نارا توقد سأل عنها فيقال: إنّ فلانا اشتهى كذا، فيغضب ممّن لا يأكل عنده؛ ومع ذلك كانت أشكالهم شنيعة، وملابسهم غير طائلة.

فلمّا أفضت السّلطنة إلى المنصور لاجين، راك البلاد؛ وذلك أنّ أرض مصر كانت أربعة وعشرين قيراطا: فيختصّ السّلطان منها بأربعة قراريط، ويختصّ الأجناد بعشرة قراريط، ويختصّ الأمراء بعشرة قراريط. وكان الأمراء يأخذون كثيرا من إقطاعات الأجناد فلا يصل إلى الأجناد منها شيء. ويصير ذلك الإقطاع في دواوين الأمراء، ويحتمي بها قطّاع الطريق، وتثور بها الفتن ويقوم بها الهوشات، ويمنع منها الحقوق والمقرّرات الدّيوانية، وتصير مأكلة لأعوان الأمراء ومستخدميهم ومضرّة على أهل البلاد التي تجاورها.

فأبطل السّلطان ذلك، وردّ تلك الإقطاعات على أربابها، وأخرجها بأسرها من دواوين الأمراء؛ وأوّل ما بدأ به ديوان الأمير سيف الدين منكوتمر نائب السّلطنة (١)، فأخرج منه ما كان فيه من هذه الإقطاعات، وكان يتحصّل له منها مائة ألف أردب غلّة في كلّ سنة، واقتدى به جميع الأمراء، وأخرجوا ما في إقطاعاتهم من ذلك، فبطلت الحمايات (٢).

وجعل السّلطان في هذا الرّوك للأمراء والأجناد أحد عشر قيراطا، وأفرد تسعة قراريط ليخدم بها عسكرا ويقطعهم إيّاها، ثم رتّب أوراقا بتكفية الأمراء والأجناد بعشرة قراريط، ووفّر قيراطا


= العربي عن الفتح العثماني لمصر لا تذكر المصادر سوى ست مرّات تمّت فيها عملية «الرّوك» Halm، H.، El ٢? art.) Rawk VII، pp. ٤٨٣ - ٨٤; Rabie، H.، The Financial System of Egypt، pp. ٥٠ - ٥٦; Halm، H.، Agypten nach den mamlukischen Lehensregistern، I-II،؛ Wiesbaden ١٩٧٩ - ٨٢ المقريزي: السلوك ٨٤١: ١ هـ ٣؛ أبو المحاسن: النجوم ٨٧: ٨).
واستغل سلاطين المماليك عملية الرّوك - التي تمّت مرتين في عصرهما (٦٩٧، ٧١٥ هـ) - من أجل إجراء تغيير شامل في توزيع الإقطاعات، ومن أجل التقليل من نفوذ كبار الأمراء المماليك، أو توزيع إقطاعات بعض الأمراء في أماكن متباعدة إضعافا لهم، وليستأثر سلاطين المماليك لأنفسهم ولمؤيّديهم بأجود الأراضي وأفضل المواقع (فيما يلي ٢٤١ - ٢٤٢).
ونجد في بداية الكراسة التي بخط المقريزي والمحفوظة في مكتبة بلدية الإسكندرية برقم ٢١٢٥ د، وهي تشبه الكراسة المحفوظة في مكتبة Liege ببلجيكا، ما كتبه المقريزي حول الروك الناصري. وبدأها بقوله: « … فقد برز الأمر العالي - أعلاه اللّه تعالى - بكتابة ما كان من خبر الروك الحسامي والروك الناصري، فنقول: نحتاج قبل ذكر ذلك إلى [بيان] ما كانت عليه الحال قبل الروك ليعرف به كيف كان سبب عمل الروك، واللّه أسأل التوفيق والإعانة بمنه وكرمه. فصل مما كان يعمل في أراضي مصر قبل الإسلام … وختم الحديث بقوله: وقد ذكرتها في كتابي المسمى كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار».
(١) انظر فيما يلي ٣٨٧: ٢.
(٢) عن الرّوك الحسامي الذي عمله السّلطان حسام الدين