للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمين حتى ضعفت مملكة الرّوم بالقسطنطينية ورومة واستفحل ملك الفرنجة هؤلاء وقد وهنت الخلافة ببغداد فزحفوا إلى الشّام وملكوا عدّة مواضع منها بيت المقدس وبنوا فيه كنيسة عظيمة بدل المسجد، وحصروا القاهرة كما قد بيّنا في مواضعه من كتبنا. ثم أدال اللّه لأهل الإسلام فجاهدهم السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب حتى أخذ منهم القدس وغيره، واستردّ الملوك بعده جميع ما كان معهم من البلاد الشّامية، فجمعوا ونازلوا دمياط في سلطنة الكامل محمد ابن العادل أبي بكر بن أيّوب ثم في سلطنة ابنه الصّالح نجم الدّين أيّوب، وأخذت قرطبة وبلنسية وإشبيليّة، وقصد الفرنج تونس في سنة ثمان وستين وستّ مائة فهلك الفرنسيس ريدافرنس على قرطاجنّة فضعف أمرهم واختلّ مركز دولتهم بإفرنسة وافترقوا طوائف وصار ملكهم عمالات؛ واستبدّ صاحب صقلّيّة وصاحب نابل وصاحب جنوة وصاحب سردانية وبقي بيت ملكهم الأقدم على غاية الوهن.

ذكر ابن جبير في «رحلته» (١) أنّ صاحب قسطنطينية هلك وترك الملك بعده لزوجته ولها منه ابن صغير، فقام ابن عمّه في الملك وقتل المرأة وسجن الابن، فأطلقه ابن لهذا الثّائر فمرّ حتى نزل صقلّيّة في خدمة راهب بعد ما مرّت به خطوب كثيرة فأعلم بها غليام ملكها فاعتنى به وأكرمه.

وكان لهذا الابن أخت جميلة علق بها ابن العمّ الثّائر على الملك فلم يمكنه تزوّجها - لحرمة زواج الأقارب عندهم - فحمله حبّها على أن توجّه بها إلى مسعود صاحب قونية (٢) وأسلم وأسلمت معه على يده فامتحنه بأن وضع صليب ذهب قد أحمي بالنّار تحت قدميه إهانة له (٣)، وزوّجه بابنة عمّه المذكورة وسار مسعود بجيوش المسلمين إلى القسطنطينية فدخلها وقتل من أهلها نحو الخمسين ألف رومي وأعانه الإغريقيّون على ذلك - وهم من الرّوم النّصارى والعداوة بينهم وبين أهل قسطنطينية (٤) - فاستولى المسلمون عليها وأخذوا منها من المال ما لا يأخذه الإحصاء، فحازها مسعود (٥) وذلك في سنة ثمانين وخمس مائة، فجهّز غليام صاحب صقلّيّة أسطولا بسبب ذلك أنفة للصّبي الذي عنده.


(١) ابن جبير: الرحلة ٣١١ - ٣١٢.
(٢) عند ابن جبير: صاحب الدّروب وقونية وبلاد العجم المجاورة للقسطنطينية.
(٣) بعد ذلك عند ابن جبير: «وهي عندهم أعظم علامات التّرك لدين النّصرانية والوفاء بذمّة دين الإسلام».
(٤) العبارة عند ابن جبير: «وهم فرقة من أهل الكتاب وكلامهم بالعربية، وبينهم وبين سائر الفرق من جنسهم عداوة كامنة، وهم لا يرون أكل لحم الخنزير، فشفوا نفوسهم من أعاديهم، وقرع اللّه نبع الكفر بعضه ببعض».
(٥) نهاية كلام ابن جبير الذي نقله المقريزي.