يحصل بها بلاد مقوّرة (١). فأجاب إلى ذلك، وحلّ جميع الإقطاعات وراكها (٢). وأخذ كلّ من الأقوياء والمميّزين يتضرّرون، ويذكرون أنّ لهم بساتين وأملاكا ومعاصر في نواحيهم، فقال له:
من كان له ملك فهو باق عليه لا يدخل في الإقطاع، وهو محكّم: إن شاء باعه وإن شاء آجره.
فلمّا حلّت الإقطاعات أمر الضّعفاء من الأجناد أن يتزايدوا فيها، فوقعت الزيادة في إقطاعات الأقوياء إلى أن انتهت إلى مبلغ معلوم، وكتبت السّجلاّت بأنّها باقية في أيديهم إلى مدّة ثلاثين سنة لا يقبل عليهم فيها زائد. وأحضر الأقوياء وقال لهم: ما تكرهون من الإقطاعات التي كانت بيد الأجناد؟ قالوا: كثرة عبرتها وقلّة متحصّلها، وخرابها وقلّة السّاكن بها؛ فقال لهم: ابذلوا في كلّ ناحية ما تحتمله وتقوّي رغبتكم فيه، ولا تنظروا في العبرة الأولى.
فعند ذلك طابت نفوسهم، وتزايدوا فيها إلى أن بلغت إلى الحدّ الذي رغب كلّ منهم فيه، فأقطعوا به، وكتب لهم السّجلاّت على الحكم المتقدّم.
فشملت المصلحة الفريقين وطابت نفوسهم. وحصل للديوان بلاد مقوّرة، بما كان مفرّقا في الإقطاعات، بما مبلغه خمسون ألف دينار (٣).
وقال في حوادث سنة خمس عشرة وخمس مائة: وكان قد تقدّم أمر الأجلّ المأمون بعمل حساب الدّولة من الهلاليّ والخراجيّ، وجعل نظمه على جملتين: إحداهما إلى سنة عشر وخمس مائة الهلالية الخراجية، والجملة الثانية إلى آخر سنة خمس عشرة وخمس مائة هلالي وما يوافقها من الخراجية؛ فانعقدت على جملة كبيرة من العين والأصناف، وشرحت بأسماء أربابها وتعيين بلادها، فلمّا أحضرت أمر بكتب سجلّ يتضمّن المسامحة بالبواقي إلى آخر سنة عشر وخمس مائة، ونسخته بعد التّصدير:
«ولمّا انتهى إلينا حال المعاملين والضّمناء والمتصرّفين وما في جهاتهم من بقايا معاملاتهم، أنعمنا بما تضمّنه هذا السّجلّ من المسامحة، قصدا في استخلاص ضامن طالت غفلته وخربت ذمّته، وإنقاذ عامل أجحف به من الدّيوان طلبته، وتوفير الرّغبة على عمارتها، وجريها فيها على قديم عادتها.
(١) البلاد المقوّره. يقصد بها الأماكن والأراضي المتسعة التي لا نبات بها (إبراهيم علي طرخان: النظم الإقطاعية في الشرق الأوسط في العصور الوسطى، القاهرة ١٩٦٨، ٥٠٥)، وفيما يلي ٤٠١: ١. (٢) عن الروك انظر فيما يلي ٢٣٥ - ٢٣٦. (٣) ابن المأمون: أخبار مصر ٩ - ١٠؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٤٠: ٣.