للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفرنسيس بجموعه إلى إفريقية في سنة ثمان وستين فأهلكه اللّه وتفرّقت جموعه، وفرّ أخوه أبو إسحاق إبراهيم من أبي زكريا إلى تلمسان، وبقي المستنصر حتى مات ليلة الحادي عشر من ذي الحجّة سنة خمس وسبعين.

فملك ابنه يحيى بن محمد بن أبي زكريا وتلقّب ب «الواثق باللّه» وكان ضعيف الرّأي، فثار عليه عمّه أبو إسحاق إبراهيم بن أبي زكريا بتلمسان فخلع نفسه واستقرّ أبو إسحاق في شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وسبعين وخطب لنفسه ب «الأمير المجاهد»، وترك زيّ الحفصيين وبقي على زيّ زناتة، وعكف على اللّهو وفرّق المملكة على أولاده؛ فثار أولاده على الواثق المخلوع وذبحوه وذبحوا ولديه الفضل والطّيّب وبقي له ابن يعرف بأبي عصيدة.

ثم ظهر رجل ادّعى أنّه الفضل بن الواثق الذي ذبح مع أبيه، واجتمع عليه النّاس وقصدوا أبا إسحاق إبراهيم، ففرّ إلى بجاية، وبها ابنه أبو فارس عبد العزيز فأقرّ أباه ببجاية وخرج بإخوته وجمعه إلى محاربة الدّاعي بتونس، فانهزم منه وقتل وقتل معه ثلاثة من إخوته، ونجا له أخ اسمه يحيى وعمّه أبو حفص عمر بن أبي زكريا. وبعث الدّاعي إلى بجاية فقتل أبا إسحاق إبراهيم وحمل رأسه إليه، فاجتمع العرب على عمر بن أبي زكريا بعد هزيمته من المعركة وقصدوا الدّاعي بتونس فاستتر في بيت تاجر وقبض عليه فاعترف بأنّه دعيّ وأنّه من بجاية واسمه أحمد بن مرزوق بن أبي عمّار فضرب عنقه، وكان أبوه يتّجر إلى بلد السّودان وسافر مجازفا وقدم مصر ونزل دار الحديث الكاملية من القاهرة ثم عاد إلى المغرب، فلمّا مرّ بطرابلس وجد رجلا أسود يقال له نصر من خواصّ الواثق المخلوع قد هرب، وكان الدّعيّ شبيها بالفضل بن الواثق، فدبّر مع نصر الأمر فشهد له أنّه الفضل بن الواثق وجمع العرب عليه حتى كان ما قد ذكر. وكان الدّعيّ يخطب له ب «الخليفة المنصور باللّه القائم بحقّ اللّه أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين أبو العبّاس الفضل». ولمّا استقرّ أبو حفص عمر في المملكة قيل تلقّب ب «المستنصر باللّه أمير المؤمنين» وهو المستنصر الثّاني. وصار في أيّامه ابن أخيه يحيى بن إبراهيم بن أبي زكريا الذي سلم في المعركة وملك بجاية وتلقّب ب «المنتخب لإحياء دين اللّه أمير المؤمنين». ولم يزل أبو حفص عمر بن أبي زكريا في مملكته حتى مات في أوّل المحرّم سنة خمس وستين بعد ما بايع لابن له صغير، ثم أبطل البيعة له وبايع أبا عصيدة، وهو أبو عبد اللّه محمد بن الواثق المخلوع وتلقّب ب «المستنصر»، ومات في أيّامه المنتخب يحيى صاحب بجاية وملكها بعده ابنه خالد.

ومات أبو عصيدة سنة تسع وسبع مائة، فملك بعده أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي