وعمل في هذا الحريق أربعة وعشرون أميرا من الأمراء المقدّمين، سوى من عداهم من أمراء الطبلخانات والعشراوات والمماليك، وعمل الأمراء بأنفسهم فيه، وصار الماء من باب زويلة إلى حارة الدّيلم في الشّارع بحرا من كثرة الرّجال والجمال التي تحمل الماء.
ووقف الأمير بكتمر السّاقي والأمير أرغون النائب، على نقل الحواصل السّلطانية من بيت كريم الدّين إلى بيت ولده بدرب الرّصاصي (١)، وخرّبوا ستة عشر دارا من جوار الدّار وقبالتها حتى تمكّنوا من نقل الحواصل.
فما هو إلاّ أن كمل إطفاء الحريق ونقل الحواصل، وإذا بالحريق قد وقع في ربع الظّاهر خارج باب زويلة (٢)، وكان يشتمل على مائة وعشرين بيتا، وتحته قيساريّة تعرف بقيساريّة الفقراء (٣)، وهبّ مع الحريق ريح قوّية فركب الحاجب والوالي لإطفائه، وهدموا عدّة دور من حوله حتى انطفأ.
فوقع في ثاني يوم حريق بدار الأمير سلار في خطّ بين القصرين (٤)، ابتدأ من الباذهنج - وكان ارتفاعه عن الأرض مائة ذراع بالعمل - فوقع الاجتهاد فيه حتى أطفئ. فأمر السّلطان الأمير علم الدّين سنجر الخازن والي القاهرة، والأمير ركن الدّين بيبرس الحاجب، بالاحتراز واليقظة.
ونودي بأن يعمل عند كلّ حانوت دنّ فيه ماء أو زير مملوء بالماء، وأن يقام مثل ذلك في جميع الحارات والأزقّة والدّروب. فبلغ ثمن كلّ دنّ خمسة دراهم بعد درهم، وثمن الزّير ثمانية دراهم.
ووقع حريق بحارة الرّوم وعدّة مواضع، حتى إنّه لم يخل يوم من وقوع الحريق في موضع.
فتنبّه الناس لما نزل بهم، وظنّوا أنّه من أفعال النصارى - وذلك أنّ النار كانت ترى في منابر الجوامع وحيطان المساجد والمدارس - فاستعدّوا للحريق، وتتبّعوا الأحوال حتى وجدوا هذا الحريق من نفط قد لفّ عليه خرق مبلولة بزيت وقطران.
فلمّا كان ليلة الجمعة النصف من جمادى، قبض على راهبين عند ما خرجا من المدرسة الكهاريّة (٥) بعد العشاء الآخرة، وقد اشتعلت النار في المدرسة ورائحة الكبريت في أيديهما فحملا إلى الأمير علم الدّين الخازن والي القاهرة، فأعلم السّلطان بذلك، فأمر بعقوبتهما.
(١) انظر عن موقع درب الرّصاصي، فيما تقدم ١٢٣: ٣. (٢) انظر عن موقع ربع الظّاهر، فيما تقدم ٥٠٠ هـ. (٣) انظر عن موقع قيسارية الفقراء، فيما تقدم ٣٠٠: ٣. (٤) انظر فيما تقدم. (٥) انظر عن المدرسة الكهارية، فيما تقدم ٦٧٨.