وقال الشّابشتي: وطور سيناء هو الجبل الذي تجلّى فيه النور لموسى بن عمران ﵇ وفيه صعق، والدّير في أعلى الجبل مبني بحجر أسود، عرض حصنه سبع أذرع، وله ثلاثة أبواب حديد، وفي غربيه باب لطيف، وقدّامه حجر أقيم: إذا أرادوا رفعه رفعوه، وإذا قصدهم أحد أرسلوه، فانطبق على الموضع، فلم يعرف مكان الباب.
وداخل الدّير عين ماء، وخارجه عين أخرى.
وزعم النصارى أنّ به نارا من أنواع النار التي كانت ببيت المقدس، يقدون منها في كلّ عشيّة، وهي بيضاء لطيفة ضعيفة الحرّ لا تحرق، ثم تقوى إذا أوقد منها السّراج.
وهو عامر بالرّهبان، والناس يقصدونه، وهو من الدّيارات الموصوفة. قال ابن عاصم (a) فيه (١):
[البسيط]
يا راهب الدّير ماذا الضّوء والنور … فقد أضاء بما في ديرك الطور؟
هل حلّت الشّمس فيه دون أبرجها … أو غيّب البدر فيه وهو مستور؟
فقال: ما حلّه شمس ولا قمر … لكن يقرّب فيه اليوم قورير
قلت: ذكر مؤرّخو النصارى (٢) أنّ هذا الدّير أمر بعمارته يوسطنيانوس، ملك الرّوم بقسطنطينية، فعمل عليه حصن فوقه عدّة قلالي، وأقيم فيه الحرس لحفظ رهبانه من قوم يقال لهم بنو صالح من العرب. وفي أيّام هذا الملك كان «المجمع الخامس» من مجامع النصارى (٣).
وبينه وبين القلزم - وكانت مدينة - طريقان: إحداهما في البرّ والأخرى في البحر، وهما جميعا يؤدّيان إلى مدينة فاران، وهي من مدائن العمالقة، ثم منها إلى الطور مسيرة يومين، ومن مدينة مصر إلى القلزم ثلاثة أيّام، ويصعد إلى جبل الطور بستة آلاف وستّ مائة وستّ وستين مرقاة.
وفي نصف الجبل كنيسة لإيلياء النبي، وفي قلّته كنيسة على اسم موسى ﵇ بأساطين من رخام وأبواب من صفر، وهو الموضع الذي كلّم اللّه تعالى فيه موسى، وقطع منه
(a) بولاق والنسخ: ابن عامر، والمثبت من الديارات للشابشتي ومعجم البلدان لياقوت، وانظر فيما تقدم ١٠٣٧. (١) الشابشتي: الديارات ٣١٠؛ ياقوت: معجم البلدان ٥٢٠: ٢؛ ابن فضل اللّه العمري: مسالك الأبصار ٣٧٢: ١. (٢) أي سعيد بن البطريق (أوتيخيوس) وهو المصدر الذي اعتمد عليه المقريزي. (فيما تقدم ٩٩٨). (٣) سعيد بن البطريق: التاريخ المجموع ٢٠٥: ١ - ٢٠٦.