للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرّأي على فتح كنيسة حارة زويلة لليعاقبة، وفتح كنيسة البندقانيين من القاهرة (١).

ثم لمّا كان يوم الجمعة تاسع شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وسبع مائة، هدمت كنائس أرض مصر في ساعة واحدة، كما ذكر في أخبار كنيسة الزّهري (٢).

وفي سنة خمس وخمسين وسبع مائة، رسم بتحرير ما هو موقوف على الكنائس من أراضي مصر، فأناف على خمسة وعشرين ألف فدّان. وسبب الفحص عن ذلك كثرة تعاظم النصارى، وتعدّيهم في الشّرّ والإضرار بالمسلمين، لتمكّنهم من أمراء الدّولة، وتفاخرهم بالملابس الجليلة والمغالاة في أثمانها، والتّبسّط في المآكل والمشارب، وخروجهم عن الحدّ في الجراءة والسّلاطة.

إلى أن اتّفق مرور بعض كتّاب النصارى على الجامع الأزهر من القاهرة، وهو راكب بخفّ ومهماز، وبقباء إسكندري طرح على رأسه، وقدّامه طرّادون يمنعون الناس من مزاحمته، وخلفه عدّة عبيد بثياب سريّة على أكاديش فارهة. فشقّ ذلك على جماعة من المسلمين، وثاروا به وأنزلوه عن فرسه، وقصدوا قتله وقد اجتمع عالم كبير، ثم خلّوا عنه. وتحدّث جماعة مع الأمير طاز في أمر النصارى وما هم عليه، فوعدهم بالإنصاف منهم، فرفعوا قصّة على لسان المسلمين - قرئت على السّلطان الملك الصّالح صالح بحضرة الأمراء والقضاة وسائر أهل الدّولة - تتضّمن الشّكوى من النصارى، وأن يعقد لهم مجلس ليلتزموا بما عليهم من الشّروط. فرسم بطلب بطرك النصارى وأعيان أهل ملّتهم، وبطلب رئيس اليهود وأعيانهم، وحضر القضاة والأمراء بين يدي السّلطان، وقرأ القاضي علاء الدّين علي بن فضل اللّه، كاتب السّرّ، العهد الذي كتب بين المسلمين وبين أهل الذّمّة - وقد أحضروه معهم - حتى فرغ منه. فالتزم من حضر منهم بما فيه، وأقرّوا به، فعدّدت لهم أفعالهم التي جاهروا بها وهم عليها، وأنّهم لا يرجعون عنها غير قليل، ثم يعودون إليها كما فعلوه غير مرّة فيما سلف.

فاستقرّ الحال على أن يمنعوا من المباشرة بشيء من ديوان السّلطان ودواوين الأمراء ولو أظهروا الإسلام، وألاّ يكره أحد منهم على إظهار الإسلام، ويكتب بذلك إلى الأعمال.

فتسلّطت العامّة عليهم، وتتبّعوا آثارهم، وأخذوهم في الطرقات، وقطعوا ما عليهم من الثّياب، وأوجعوهم ضربا، ولم يتركوهم حتى يسلموا، وصاروا يضرمون لهم النار ليلقوهم


(١) مفضل بن أبي الفضائل: النهج السديد PO XX؛ (١٩٢٩)، pp. ٩٥ - ٩٦ المقريزي: السلوك ٩٥٠: ١ - ٩٥١؛ العيني: عقد الجمان ٣٠٤: ٤ - ٣٠٥، والمقصود في النصّ ملك أرجونة، Jayme II وكانت قاعدة مملكته مدينة برشلونة.
(٢) فيما يلي ١٠٦٦.