للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم كان حرب الكنعانيين وسيجون، والعوج صاحب البثنيّة من أرض حوران، في الشّهور التي بعد ذلك إلى شهر شباط.

فلمّا أهلّ شباط أخذ موسى في إعادة التّوراة على القوم، وأمر بكتب نسختها وقراءتها، وحفظ ما شاهدوه من آثاره، وما أخذوه عنه من الفقه، وكان نهاية ذلك في اليوم السّادس من آذار. وقال لهم في اليوم السّابع منه: إنّى في يومي هذا استوفيت عشرين ومائة سنة، وإنّ اللّه قد عرّفني أنّه يقبضني فيه، وقد أمرني أن أستخلف عليكم يوشع بن نون، ومعه السّبعون رجلا الذين اخترتهم قبل هذا الوقت، ومعهم إلعازر بن هارون/ أخي، فاسمعوا له وأطيعوا، وأنا أشهد عليكم اللّه الذي لا إله إلاّ هو والأرض والسّموات أن تعبدوا اللّه، ولا تشركوا به شيئا، ولا تبدّلوا شرائع التّوراة بغيرها. ثم فارقهم، وصعد الجبل، فقبضه اللّه تعالى هناك، وأخفاه، ولم يعلم أحد منهم قبره، ولا شاهده (١).

وكان بين وفاة موسى وبين الطوفان ألف وستّ مائة وستّ وعشرون سنة، وذلك في أيّام منوجهر ملك الفرس.

وزعم قوم أنّ موسى كان ألثغ. فمنهم من جعل ذلك خلقة، ومنهم من زعم أنّه إنّما اعتراه حين قالت امرأة فرعون لفرعون: لا تقتل طفلا لا يعرف الجمر من التّمر. فلمّا دعا له فرعون بهما جميعا، تناول جمرة فأهوى بها إلى فيه، فاعتراه من ذلك ما اعتراه. وذكر محمد بن عمر الواقدي أنّ لسان موسى كانت عليه شامة فيها شعرات، ولا يدلّ القرآن على شئ من ذلك، فليس في قوله تعالى: ﴿وَاُحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي﴾ [الآية ٢٧ سورة طه]. دليل على شيء من ذلك دون شيء.

فأقاموا بعده ثلاثين يوما يبكون عليه، إلى أن أوحى اللّه تعالى إلى يوشع بن نون بترحيلهم، فقادهم وعبر بهم الأردن في اليوم العاشر من نيسان، فوافوا أريحا، فكان منهم ما هو مذكور في مواضعه. فهذه جملة خبر موسى، (٢).


(١) التوراة، سفر التثنية، الإصحاح الثاني والثلاثون إلى الرابع والثلاثين.
(٢) سعيد بن البطريق: التاريخ المجموع ٣٢: ١، ونشرة Breydy ٤؛ النويري: نهاية الأرب ١: ١٤ - ٤.