للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الأفضل الكبير شاهنشاه، صاحب مصر، قد لزمه، واتّخذ السّعي إليه مفترضا، والحديث معه شهوة وغرضا لا ينقطع عنه. وكان فكه الحديث، قد وقف من أخبار الناس والدّول على القديم والحديث، وقصده الناس لأجل حلول السّلطان عنده لقضاء حوائجهم، فقضاها. وصار مسجده موئلا للحاضر والبادي، وصدى لإجابة صوت النادي.

وشكا الشّيخ إلى الأفضل تعذّر الماء ووصوله إليه، فأمر ببناء «القناطر»، التي كانت في عرض القرافة، من المجرى الكبيرة الطولونيّة. فبنيت إلى المسجد الذي به الإطفيحي، ومضى عليها من النفقة خمسة آلاف دينار، وعمل الإطفيحي صهريج ماء شرقي المسجد عظيما محكم الصّنعة، وحمّاما وبستانا كان به نخلة سقطت بعد سنة خمس (a) وخمس مائة.

وعمل الأفضل له مقعدا بحذاء المسجد إلى الشّرق، علوّ زيادة في المسجد شرقيه، وقاعة صغيرة مرخّمة. إذا جاء إلى (b) عنده جلس فيها، وخلا بنفسه، واجتمع معه وجالسه (c)، وكان هذا المقعد على هيئة المنظرة بغير ستائر، كلّ من قصد الإطفيحي من الكنعي (d) يراه.

وكان الأفضل لا يأخذه عنه القرار. يخرج في أكثر الأوقات من دار الملك - باكرا أو ظهرا أو عصرا - بغتة، فيترجّل، ويدقّ الباب وقارا للشّيخ - كما كان الصّحابة يقرعون أبواب النبي بظفر الإبهام والمسبحة، كما يحصب بهما الحاصب.

فإن كان الشّيخ يصلّي، لا يزال واقفا حتى يخرج من الصّلاة ويقول: من؟ فيقول: ولدك شاهنشاه، فيقول: نعم. ثم يفتح فيصافحه الأفضل، ويمرّ بيده التي لمس بها يد الشّيخ على وجهه، ويدخل. فيقول الشّيخ: نصرك اللّه، أيّدك اللّه، سدّدك اللّه، هذه الدّعوات الثّلاث لا غير أبدا. فيقول الأفضل. آمين.

وبنى له الأفضل المصلّى ذات المحاريب الثّلاثة، شرقي المسجد إلى القبلي قليلا، ويعرف بمصلّى الإطفيحي. كان يصلّى فيه على جنائز موتى القرافة.

وكان سبب اختصاص الأفضل بهذا الشّيخ، أنّه لمّا كان محاصرا نزار بن المستنصر بالإسكندرية، وناصر الدّولة أفتكين الأرمنيّ، أحد مماليك أمير الجيوش بدر، وكانت أمّ الأفضل


(a) بولاق: خمسين.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) بولاق: حادثة.
(d) بولاق: الكتفي. - بالرياض سنة ١٤٠٨ هـ/ ١٩٨٧ م.