بنى الحاجب لؤلؤ العادلي، برحبة الأندلس والرّباط، بستانا وأحواضا ومقعدا، وجمع بين مصلّى الأندلس وبين الرّباط بحائط بينهما (a) (١)، وعمل ذلك لحلول العفيف حاتم بن مسلم المقدسي الشّافعيّ به.
ولمّا مات السّلطان الملك الظّاهر ركن الدّين بيبرس البندقداري بدمشق، في المحرّم سنة ستّ وسبعين وستّ مائة، وقام من بعده في السّلطنة ابنه الملك السّعيد محمد بركه خان، عمل لأبيه عزاء بالأندلس هذا. فاجتمع هناك القرّاء والفقهاء، وأقيمت المطابخ، وهيّئت المطاعم الكثيرة، وفرّقت على الزّوايا، ومدّت أسمطة عظيمة بالخيام التي ضربت حول الأندلس. فأكل الناس على اختلاف طبقاتهم، وقرأ القرّاء ختمة شريفة، وعدّ هذا الوقت من المهمّات العظيمة المشهودة (b) بديار مصر. وكان ذلك في المحرّم سنة سبع وسبعين وستّ مائة، على رأس سنة من موت الملك الظّاهر، فقال في ذلك القاضي محيي الدّين عبد اللّه بن عبد الظّاهر:
[مجزوء الرجز]
يا أيّها الناس اسمعوا … قولا بصدق قد كسي
إنّ عزا السّلطان في … غرب وشرق ما نسي
أليس ذا مأتمه … يعمل في الأندلس
/ ثم عمل بعد ذلك مجتمع في المدرسة الناصرية بجوار قبّة الشّافعي من القرافة، ومجتمع بجامع ابن طولون، ومجتمع بجامع الظّاهر من الحسينيّة خارج القاهرة، ومجتمع بالمدرسة الظّاهريّة بين القصرين، ومجتمع بالمدرسة الصّالحيّة، ومجتمع بدار الحديث الكاملية، ومجتمع بالخانقاه الصّلاحية سعيد السّعداء، ومجتمع بالجامع الحاكمي (٢).
وأقيم في كلّ واحد من هذه المجتمعات الأطعمة الكثيرة، وعمل للتّكاررة خوان، وللفقراء خوان حضره كثير من أهل الخير والصّلاح، فقيل في ذلك:
[الطويل]
فشكرا لها أوقات برّ تقبّلت … لقد كان فيها الخير والبرّ أجمعا
(a) بعد ذلك في معجم البلدان، مصدر النقل: جعل موضعه دار بقر للسّاقية التي تستقي الماء الذي يجري إلى البستان. (b) بولاق: المشهورة. (١) ياقوت: معجم البلدان ٢٦٤: ١. (٢) ابن شداد: تاريخ الملك الظاهر ٢٣١ - ٢٣٢؛ ابن الفرات: تاريخ الدول والملوك ١١٥: ٧؛ المقريزي: السلوك ٦٤٨: ١ - ٦٤٩.