وقدم ابن أخيه إلى هذه البلاد - وهو زين الدّين - فأكرم وأنعم عليه بإمرة، ثم تركها وانقطع في قرية بالشّام - تعرف ببيت فار - على هيئة الملوك: من اقتناء الخيول المسوّمة والمماليك والجواري والملابس، وعمل الأسمطة الملوكية. فافتتنت به بعض نساء الطائفة القيمريّة، وبالغت في تعظيمه، وبذلت له أموالا عظيمة، وحاشيتها تلومها فيه، فلا تصغي إلى قولهم. فاحتالوا حتى أوقفوها عليه، وهو عاكف على المنكرات، فما زادها ذلك إلاّ ضلالا، وقالت: أنتم تنكرون هذا عليه، إنّما الشّيخ يتدلّل على ربّه.
وأتاه الأمير الكبير علم الدّين سنجر الدّوادار ومعه الشّهاب محمود لتحليفه في أوّل دولة الأشرفية خليل بن قلاوون، إلى قريته. فإذا هو كالملك في قلعته: للتّجمّل الظّاهر والحشمة الزّائدة، والفرش الأطلس، وآنية الذّهب والفضّة، والنضار الصّيني وأشياء تفوت العدّ إلى غير ذلك من الأشربة المختلفة الألوان، والأطعمة المنوّعة. فلمّا دخلا عليه لم يحتفل بهما، وقبّل الأمير سنجر يده وهو جالس لم يقم، وبقي قائما قدّامه يحدّثه، وزين الدّين يسأله ساعة، ثم أمره أن يجلس، فجلس على ركبتيه متأدّبا بين يديه، فلمّا حلّفاه،/ وأنعم عليهما بما يقارب خمسة عشر ألف درهم.
وتخلّف من طائفة الشّيخ عزّ الدّين أميران، وأنعم عليه بإمرة دمشق، ثم نقل إلى إمرة بصفد، ثم أعيد إلى دمشق، وترك الإمرة وانقطع بالمزّة، وتردّد إليه الأكراد من كلّ قطر، وحملوا إليه الأموال. ثم إنّه أراد أن يخرج على السّلطان بمن معه من الأكراد في كلّ بلد، فباعوا أموالهم، واشتروا الخيل والسّلاح، ووعد رجاله بنيابات البلاد، ونزل بأرض اللجّون. فبلغ ذلك السّلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فكتب إلى الأمير تنكز نائب الشّام بكشف أخبارهم، وأمسك (١)(٢)
= ٥٥٧ هـ/ ١١٦٠ م أو ١١٦٢ م، عند ابن الأثير: الكامل في التاريخ ٢٨٩: ١١؛ ابن المستوفي: تاريخ إربل ١١٤: ١ - ١١٥؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان ٢٥٤: ٣ - ٢٥٥ (مصدر المقريزي)؛ ابن الفوطي: الحوادث الجامعة ٣١٥؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء ٣٤٢: ٢٠ - ٣٤٤؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٦١: ٥. والشيخ عدي هو أصل الطريقة المعروفة ب «اليزيديّة» التي كوّنها ابنه حسن بن عديّ، المقتول سنة ٦٤٤ هـ/ ١٢٤٦ م، والذي يعتقد الأكراد رجعته ولا يعتقدون أنّه قتل (الذهبي: سير أعلام النبلاء ٢٢٣: ٢٣ - ٢٢٤؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ١٠١: ١٢ - ١٠٣). وراجع عن اليزيدية دراسة أحمد تيمور باشا: اليزيدية ومنشأ نحلتهم، القاهرة ١٣٥٢ هـ/ ١٩٣٣ م؛ إسماعيل بك جول: اليزيدية قديما وحديثا، عني بنشرها قسطنطين زريق، بيروت - الجامعة الأمريكية ١٩٣٤. (١) ابن خلكان: وفيات الأعيان ٢٥٤: ٣.