من سبط السّلفي وحدّث، وانتهت إليه رياسة عصره. وكان صاحب صيانة وسؤدد ومكارم وشاكلة حسنة وبزّة فاخرة إلى الغاية. وكان يتناهى في المطاعم والملابس والمناكح والمساكن، ويجود بالصّدقات الكثيرة، مع التّواضع ومحبّة الفقراء وأهل الصّلاح، والمبالغة في اعتقادهم.
ونال في الدّنيا من العزّ والجاه ما لم يره جدّه الصّاحب الكبير بهاء الدّين، بحيث إنّه لمّا تقلّد الوزير الصّاحب فخر الدّين بن الخليلي الوزارة، سار من قلعة الجبل - وعليه تشريف الوزارة - إلى بيت الصّاحب تاج الدّين، وقبّل يده وجلس بين يديه، ثم انصرف إلى داره.
وما زال على هذا القدر من وفور العزّ، إلى أن تقلّد الوزارة في يوم الخميس رابع عشرين صفر سنة ثلاث وتسعين وستّ مائة، بعد قتل الوزير الأمير سنجر الشّجاعي، فلم ينجب، وتوقّفت الأحوال في أيّامه، حتى احتاج إلى إحضار تقاوي النواحي المرصدة بها للتّخضير واستهلكها. ثم صرف في يوم الثلاثاء خامس عشرين جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وستّ مائة، بفخر الدّين عثمان بن الخليلي.
وأعيد إلى الوزارة مرّة ثانية فلم ينجح، وعزل وسلّم مرّة للشّجاعي، فجرّده من ثيابه، وضربه شيبا واحدا بالمقارع فوق قميصه، ثم أفرج عنه على مال، ومات في رابع جمادى الآخرة سنة سبع وسبع مائة، ودفن في تربتهم بالقرافة، وكان له شعر جيّد.
وللّه درّ شيخنا الأديب جلال الدّين محمد بن خطيب داريّا الدّمشقي البيساني، حيث يقول في الآثار (١):
[الكامل]
يا عين إن بعد الحبيب وداره … ونأت مرابعه وشطّ مزاره
فلقد ظفرت من الزّمان بطائل … إن لم تريه فهذه آثاره
وقد سبقه لذلك الصّلاح خليل بن أيبك الصّفدي، فقال:
[الكامل]
/ أكرم بآثار النبيّ محمد … من زاره استوفى السّرور مزاره
يا عين دونك فانظري وتمتّعي … إن لم تريه فهذه آثاره
= ١١٧، السلوك ٤١: ٢؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ٣٢٢: ٤ - ٣٢٣؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٢٨: ٨، المنهل الصافي ٦٩٠: ٢ - ٦٩١. (١) ابن دقماق: الانتصار ١٠٣: ٤؛ ابن إياس: بدائع الزهور ٥٣: ١/ ١.