فلمّا اختلف أمراء الدّولة، أخرج إلى دمشق في ربيع الأوّل سنة تسع وأربعين وسبع مائة، وأقام بدمشق إلى شعبان، وسار إلى نيابة طرابلس - عوضا عن الأمير بدر الدّين مسعود بن الخطيري - فلم يزل على نيابتها إلى شهر ربيع الأوّل سنة خمس وسبع مائة. فكتب إلى الأمير أرغون شاه نائب دمشق يستأذنه في الصّيد إلى الناعم، فأذن له، وسار من طرابلس، وأقام على بحيرة حمص أيّاما يتصيّد.
ثم ركب ليلا بمن معه، وساق إلى خان لاجين ظاهر دمشق، فوصله أوّل النهار، وأقام به يومه. ثم ركب منه بمن معه ليلا، وطرق أرغون شاه وهو بالقصر الأبلق، وقبض عليه وقيّده في ليلة الخميس ثالث عشرين شهر ربيع الأوّل، وأصبح وهو/ بسوق الخيل فاستدعى الأمراء وأخرج لهم كتاب السّلطان بإمساك أرغون شاه، فأذعنوا له، واستولى على أموال أرغون شاه. فلمّا كان يوم الجمعة رابع عشرينه، أصبح أرغون شاه مذبوحا، فأشاع ألجيبغا أنّ أرغون شاه ذبح نفسه. وفي يوم الثلاثاء أنكر الأمراء أمره، وثاروا لحربه، فركب وقاتلهم، وانتصر عليهم، وقتل جماعة منهم، وأخذ الأموال، وخرج من دمشق وسار إلى طرابلس فأقام بها.
وورد الخبر من مصر إلى دمشق بإنكار كلّ ما وقع، والاجتهاد في مسك ألجيبغا. فخرجت عساكر الشّام إليه، ففرّ من طرابلس، فأدركه عسكر طرابلس عند بيروت، وحاربوه حتى قبضوا عليه، وحمل إلى عسكر دمشق، فقيّد وسجن بقلعة دمشق في ليلة السبت سادس عشر ربيع الآخر، هو وفخر الدّين إياس، ثم وسّط بمرسوم السّلطان تحت قلعة دمشق بحضرة (a) عساكر دمشق، ووسّط معه الأمير فخر الدّين إياس، وعلّقا على الخشب في ثامن عشر ربيع الآخر سنة خمسين وسبع مائة، وعمره دون العشرين سنة، فما طرّ شاربه وكأنّه البدر حسنا والغصن اعتدالا.
(a) بولاق: بحضور. - الدرر الكامنة ٤٣٤: ١؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٤٥: ١٠، المنهل الصافي ٤٤: ٣ - ٤٦.