للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دار الأنماط التي كانت برأس حارة الجوذريّة من القاهرة ونقضها وما حولها، واشترى أملاكا كانت قد/ بنيت في أرض دار الوزارة من ملاّكها بغير إكراه وهدمها. فكان قياس أرض الخانقاه والرّباط والقبّة نحو فدّان وثلث.

وعندما شرع في بنائها حضر إليه الأمير ناصر الدّين محمد ابن الأمير بكتاش الفخري أمير سلاح، وأراد التّقرّب لخاطره وعرّفه أنّ بالقصر الذي فيه سكن أبيه مغارة تحت الأرض كبيرة، يذكر أنّ فيها ذخيرة من ذخائر الخلفاء الفاطميين، وأنّهم لمّا فتحوها لم يجدوا بها سوى رخام كثير، فسدّوها ولم يتعرّضوا لشيء ممّا فيها. فسرّ بذلك، وبعث عدّة من الأمراء فتحوا المكان، فإذا فيه رخام جليل القدر عظيم الهيئة، فيه ما لا يوجد مثله لعظمه، فنقله من المغارة، ورخّم منه الخانقاه والقبّة وداره التي بالقرب من البندقانيين وحارة زويلة، وفضل منه شيء كثير عهدي أنّه مختزن بالخانقاه، وأظنّه أنّه باق هناك.

ولمّا كملت في سنة تسع وسبع مائة (١)، قرّر بالخانقاه أربع مائة صوفي، وبالرّباط مائة من الجند وأبناء الناس الذين قعد بهم الوقت، وجعل بها مطبخا يفرّق على كلّ منهم في كلّ يوم اللحم والطعام وثلاثة أرغفة من خبز البرّ، وجعل لهم الحلوى، ورتّب بالقبّة درسا للحديث النبويّ له مدرّس وعنده عدّة من المحدّثين، ورتّب القرّاء بالشّبّاك الكبير يتناوبون القراءة فيه ليلا ونهارا، ووقف عليها عدّة ضياع بدمشق وحماة، ومنية المخلص بالجيزة من أرض مصر، وبالصّعيد والوجه البحري، والرّبع والقيساريّة بالقاهرة (٢).


(١) يدلّ على ذلك كتابتان تاريخيتان، الأولى على الواجهة ونصّها:
«بسم اللّه الرّحمن الرّحيم - الآيات ٣٦ - ٣٨ سورة النور - أمر بإنشاء هذه الخانقاه السّعيدة وقفا مؤبّدا على جماعة الصّوفية من فيض اللّه تعالى وجزيل إحسانه، راجيا بذلك عفوه وغفرانه، العبد الفقير إلى اللّه تعالى [نحو مسافة متر محيت كتابته عمدا قد تكون: «السّلطان الملك المظفّر»] ركن الدّين بيبرس المنصوري عبد اللّه والفقير إليه الرّاجي رحمته يوم القدوم عليه ضاعف اللّه ثوابه وزكّى أعماله ويسّر له أسباب ما بسط إليه من المعروف آماله بمنّه وكرمه وأفضاله، وصلّى اللّه على سيّدنا محمد … ».
والثانية على وجه العقد الغربي لقاعدة القبّة، ونصّها: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم - الآيات ٥١ - ٥٩ سورة الدّخان - وافق الفراغ من هذه القبّة والخانقاه في شهر رمضان المعظّم سنة تسع وسبع مائة».
(٢) ذكر ابن إياس أنّه لمّا كملت عمارة هذه الخانقاه كتب الشيخ شرف الدّين أبو عبد اللّه محمد بن شريف بن يوسف الدّرعي المعروف بابن الوحيد الكاتب، المتوفى سنة ٧١١ هـ/ ١٣١١ م، لبيبرس الجاشنكير ختمة في سبعة أجزاء، وأضاف الصّفدي أنّها كتبت بليقة ذهبية دخل فيها جملة من الذّهب أعطاه له الجاشنكير برسم الليقة لا غير ألفا وستّ مائة دينار. (بدائع الزهور ٤١٨: ١/ ١؛ الوافي بالوفيات -