وصار لحام بن نوح الجنوب ممّا يلي أرض مصر مغربا إلى المغرب الأقصى، ومن نسله الحبشة والزّنج، والقبط سكّان مصر وأهل النوبة، والأفارقة وأهل إفريقية، وأجناس البربر.
وصار ليافث بن نوح بحر الخزر مشرقا إلى الصّين، ومن نسله الصّقالبة والفرنج والرّوم والغوط، وأهل الصّين واليونانيون والتّرك.
(a) وقد بلغني أنّ هذا المسجد كان كنيسة لليهود القرّائيين، تعرف بسام بن نوح، وأنّ الحاكم بأمر اللّه أخذ هذه الكنيسة لمّا هدم الكنائس وجعلها مسجدا. وتزعم اليهود القرّائيون الآن بمصر أنّ سام بن نوح مدفون هنا، وهم إلى الآن يحلّفون من أسلم منهم بهذا المسجد، أخبرني به قاضي اليهود إبراهيم بن فرج اللّه بن عبد الكافي الدّاودي العاناني (a). وليس هذا بأوّل شيء اختلقته العامّة.
وابن البنّاء هذا - هو محمد بن عمر بن أحمد بن جامع بن البنّاء، أبو عبد اللّه الشّافعيّ المقري (١)؛ سمع من القاضي مجلّى وأبي عبد اللّه الكيزاني (٢) وغيره، وحدّث وأقرأ القرآن، وانتفع به جماعة وهو منقطع بهذا المسجد.
وكان يعرف خطّه بخطّ بين البابين، ثم عرف بخطّ الأقفاليين، ثم هو الآن يعرف بخطّ الضّببيين وباب/ القوس.
ومات ابن البنّاء هذا في العشر الأوسط من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وخمس مائة.
واتّفق لي عند هذا المسجد أمر عجيب، وهو أنّي مررت من هناك يوما أعوام بضع وثمانين وسبع مائة - والقاهرة يومئذ لا يمرّ الإنسان بشارعها حتى يلقى عناء من شدّة ازدحام الناس، لكثرة مرورهم ركبانا ومشاة - فعندما حاذيت أوّل هذا المسجد إذا برجل يمشي أمامي وهو يقول لرفيقه: واللّه يا أخي ما مررت بهذا المكان قطّ إلاّ وانقطع نعلي؛ فو اللّه ما فرغ من كلامه حتى وطئ شخص، من كثرة الزّحام، على مؤخّر نعله - وقد مدّ رجله ليخطو - فانقطع تجاه باب المسجد. فكان هذا من عجائب الأمور وغرائب الاتّفاق.
(a) (a-a) وردت هذه العبارة في هامش نسخة ميونخ مسبوقة بقوله: «وجد بخطّه على هامش الأصل»، وبعد انتهاء العبارة: «انتهى ما ذكره»؛ ووردت كذلك في هامش نسخة آياصوفيا. (١) راجع ترجمة ابن البنّاء كذلك عند، المنذري: التكملة لوفيات النقلة ٢٢١: ١؛ المقريزي: المقفى الكبير ٤٠٤: ٦. (٢) في المقفى: مجلّى بن جميع، وأبي البقاء عمر ابن محمد المقدسي، وأبي عبد اللّه محمد بن إبراهيم الكيزاني.