ممّا كان له قبل الرّوك، وقالوا لمنكوتمر: إمّا أن تعطونا ما يقوم بكلفنا، وإلاّ فخذوا أخبازكم ونحن نخدم الأمراء أو نصير بطّالين. فغضب منكوتمر وأخرق بهم، وتقدّم إلى الحجّاب فضربوهم وأخذوا سيوفهم، وأودعوهم السّجون. وأخذ يخاطب الأمراء بفحش، ويقول: أيّما قوّاد شكا من خبزه، ويقول نقول للسّلطان، فعلت به وفعلت، إيش يقول للسّلطان؟ إن رضي يخدم وإلاّ إلى لعنة اللّه. فشقّ ذلك على الأمراء، وأسرّوا له الشّرّ.
ثم إنّه لم يزل بالسّلطان حتى قبض على الأمير بدر الدّين بيسري، وحسّن له إخراج أكابر الأمراء من مصر، فجرّدهم إلى سيس، وأصبح وقد خلا له الجوّ، فلم يرض بذلك حتى تحدّث مع خوشداشيته بأنّه لا بد أن ينشئ له دولة جديدة، ويخرج طغجي وكرجي من مصر.
ثم إنّه جهّز حمدان بن صلغاي إلى حلب في صورة أنّه يستعجل العساكر من سيس، وقرّر معه القبض على عدّة من الأمراء، وأمّر عدّة/ أمراء جعلهم له عدّة وذخرا، وتقدّم إلى الصّاحب فخر الدّين الخليلي بأن يعمل أوراقا تتضّمن أسماء أرباب الرّواتب ليقطع أكثرها.
فلم تدخل سنة ثمان وتسعين، حتى استوحشت خواطر الناس بمصر والشّام من منكوتمر، وزاد حتى أراد السّلطان أن يبعث بالأمير طغي إلى نيابة طرابلس، فتنصّل طغي من ذلك فلم يعفه السّلطان منه وألحّ منكوتمر في إخراجه، وأغلظ للأمير كرجي في القول وحطّ على سلار وبيبرس الجاشنكير أنظارهم وغضّ منهم. وكان كرجي شرس الأخلاق، ضيّق العطن، سريع الغضب، فهمّ غير مرّة بالفتك بمنكوتمر، وطغجي يسكّن غضبه.
فبلغ السّلطان فساد قلوب الأمراء والعسكر فبعث قاضي القضاة حسام الدّين الحسن بن أحمد ابن الحسن الرّومي الحنفي إلى منكوتمر يحدّثه في ذلك ويرجعه عمّا هو فيه، فلم يلتفت إلى قوله وقال:«أنا ما لي حاجة بالنيابة، أريد أخرج مع الفقراء». فلمّا بلغ السّلطان عنه ذلك استدعاه، وطيّب خاطره، ووعده بسفر طغجي بعد أيّام، ثم القبض على كرجي بعده، فنقل هذا للأمراء فتحالفوا وقتلوا السّلطان، كما قد ذكر في خبره (١)، وأوّل من بلّغه خبر مقتل السّلطان الأمير منكوتمر، فقام إلى شبّاك النيابة بالقلعة فرأى باب القلّة وقد انفتح، وخرج الأمراء، والشّموع تقد، والضّجّة قد ارتفعت، فقال: واللّه قد فعلوها. وأمر فغلّقت أبواب دار النيابة، وألبس مماليكه آلة الحرب. فبعث الأمراء إليه بالأمير الحسام أستادّار، فعرّفه بمقتل السّلطان، وتلطف به حتى نزل وهو مشدود الوسط بمنديل، وسار به إلى باب القلّة والأمير طغجي قد جلس في مرتبة