وهذه المدرسة من أجلّ مدارس القاهرة، إلاّ أنّها قد تقادم عهدها فرثت، وبها إلى الآن بقية صالحة، ونظرها تارة يكون بيد الحنفيّة، وأحيانا بيد الشّافعيّة، وينازع في نظرها أولاد الظّاهر فيدفعون عنه، وللّه عاقبة الأمور (٢).
(١) انظر فيما تقدم ٣٠٠: ٣ - ٣٠١. (٢) المدرسة الظّاهريّة العتيقة (تمييزا لها عن المدرسة الظّاهرية المستجدّة التي أنشأها الظّاهر برقوق)، أوّل مدرسة ذات تخطيط متعامد في مصر، إلاّ أنّها لم يدرّس بها الفقه على المذاهب الأربعة فقط، كما هو متّبع في نظام المدراس، يقول ابن شداد: «تشتمل على أربعة أواوين: الإيوان القبلي يدرّس فيه مذهب الإمام الشّافعي ﵁ والإيوان الذي تجاهه وله على الطريق شبابيك يدرّس فيه مذهب الإمام أبي حنيفة، والإيوان الذي على يمنة الدّاخل يقرأ فيه بكرة السّبع ويشتغل بالقراءات السّبع، وفي الإيوان الذي يقابله يشتغل فيه بالحديث النبوي، وبها من البيوت المعدّة لسكنى الطلبة. وبنى إلى جانبها مكتبا للسّبيل يعلّم فيه الأيتام القرآن، يصعد إليه بدرج، ولكلّ صبيّ يقرأ فيه في اليوم خبز وفي السّنة كسوتان وعدّتهم. وبنى فيما بين المدرسة وبينه ميضأة ما أحوج الناس إليها تشتمل على [بياض] بيتا وفي وسطها [بياض]». (تاريخ الملك الظاهر ٣٤٤ - ٣٤٥). وظلّت هذه المدرسة قائمة في منطقة بين القصرين بشارع المعز لدين اللّه أمام مجموعة قلاوون الشهيرة، وسجّلت رسمها أحد لوحات دافيد روبير David Robert قبل أن تهدم، سنة ١٢٩٠ هـ/ ١٨٧٣ م، من أجل فتح شارع بيت القاضي الذي اخترق مبانيها، ولم يتبق منها سوى جزء متخرّب سجّل بالآثار برقم ٣٧؛ كما نقل مصراعا باب المدرسة الخشبيان إلى السّفارة الفرنسية أوّلا في مقرّها القديم محلّ عمارة الإيموبيليا ثم نقلته معها إلى مقرّها الجديد بشارع مراد بالجيزة (شارع شارل دي جول الآن). ويوجد بأعلى هذا الباب وأسفله شريطان من المعدن مكتوب عليهما: «الملك الظّاهر ركن الدّنيا والدّين أبو الفتح بيبرس أدام اللّه أيّامه وأعزّ أحكامه سنة ٦٦١». ويعدّ هذا النصّ أقدم أنموذج وصل إلينا كتب فيه التاريخ بالأرقام في الآثار الإسلامية. راجع عن هذه المدرسة، ابن عبد الظاهر: الروض الزاهر ٩٠؛ النويري: نهاية الأرب ٩٣: ٣٠ - ٩٤؛ بيبرس المنصوري: زبدة الفكرة ٨٦؛ ابن أبيك: كنز الدرر ١٠٣: ٨؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٦٢: ٣، ٤٣١؛ المقريزي: السلوك ٥٠٤: ١، ٦٣٨؛ العيني: عقد الجمان ٣٨٢: ١ - ٣٨٤؛ أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ١٢٠: ٧، ٢١٣، المنهل الصافي ٤٦٥: ٣ - ٤٦٦؛ السيوطي: حسن المحاضرة ٢٦٤: ٢؛ ابن إياس: بدائع الزهور ٣١٢: ١/ ١، ٣٤٠؛ وانظر أيضا Creswell، K.A.C.، «The Works، «of Sultan Baibars al-Bunduqdari in Egypt BIFAO XXVI (١٩٢٦)، pp. ١٣١ - ٤٣; id.، MAEII،؛ pp. ١٤٣ - ٤٧ سعاد ماهر: مساجد مصر ١٨: ٣ - ٣١؛؛ Golvin، L.، La Madrasa Medieval، pp. ١٠٨ - ٩ حسني محمد نويصر: «دراسة لأجزاء هامّة من بقايا مدرسة الظاهر بيبرس البندقداري بالقاهرة»، مجلة كلية الآثار - جامعة القاهرة ٧ (١٩٩٦)، ١ - ٤٠؛ عاصم محمد رزق: أطلس العمارة الإسلامية ٢٣: ٢ - ٣٨.