وأمّا الملك الصّالح فإنّ شجر الدّرّ أحضرته في حرّاقة من المنصورة إلى قلعة الرّوضة تجاه مدينة مصر من غير أن يشعر به أحد، إلاّ من ائتمنته على ذلك. فوضع في قاعة من قاعات قلعة الرّوضة إلى يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر رجب سنة ثمان وأربعين وستّ مائة، فنقل إلى هذه القبّة بعد ما كانت شجر الدّرّ قد عمّرتها على ما هي عليه (١).
وخلعت نفسها من سلطنة مصر ونزلت عنها لزوجها عزّ الدّين أيبك قبل نقله (٢)، فنقله الملك (a) المعزّ أيبك، ونزل ومعه الملك الأشرف موسى ابن الملك المسعود وسائر المماليك البحريّة والجمدارية والأمراء، من قلعة الجبل إلى قلعة الرّوضة. وأخرج الملك الصّالح في تابوت وصلّي عليه بعد صلاة الجمعة، وسائر الأمراء وأهل الدّولة قد لبسوا البياض حزنا عليه، وقطع المماليك شعور رءوسهم، وساروا به إلى هذه القبّة. فدفن ليلة السبت.
/ فأصبح السّلطانان، فنزلا (b) إلى القبّة، وحضر القضاة وسائر المماليك وأهل الدّولة وكافّة الناس، وغلّقت الأسواق بالقاهرة ومصر، وعمل عزاء للملك الصّالح بين القصرين بالدّفوف مدّة ثلاثة أيّام، آخرها يوم الاثنين، ووضع عند القبر سناجق السّلطان وبقجته وتركاشه وقوسه، ورتّب عنده القرّاء على ما شرطت شجر الدّرّ في كتاب وقفها، وجعلت النظر فيها للصّاحب بهاء الدّين عليّ بن حنّا وذرّيته، وهي بيدهم إلى اليوم (٣).
(a) ساقطة من بولاق. (b) بولاق: ونزلا. (١) انظر فيما تقدم ٥٩٨: ١ - ٥٩٩. (٢) فيما تقدم ٧٦٥: ٣ - ٧٦٦. (٣) توجد بالقبّة على لوحة من الرّخام قياس ١٨٠ * ٨٠ أربعة أسطر بالخط النسخ الأيّوبي الجميل تحمل الكتابة التاريخية التالية: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم - الآية ٦٩ سورة العنكبوت - هذه التّربة المباركة بها ضريح مولانا السّلطان الملك الصّالح السّيّد العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر، نجم الدّنيا والدّين، سلطان الإسلام والمسلمين، سيّد ملوك المجاهدين، وارث الملك عن آبائه الأكرمين، أبي الفتح أيّوب ابن السّلطان الملك الكامل ناصر الدّين أبي المعالي محمّد بن أبي بكر ابن أيّوب. توفي إلى رحمة اللّه تعالى وهو بمنزلة المنصورة تجاه الفرنج المخذولين مصافحا للصّفاح بنحره مواجها للكفاح بوجهه وصدره، آملا ثواب اللّه بمرابطته واجتهاده، عاملا بقوله تعالى - الآية ٧٧ سورة الحج - أوفده اللّه الجنّة العالية وأورده أنهارها الجارية، وذلك ليلة النصف من شعبان سنة سبع وأربعين وستّ مائة». كما يوجد على الضّريح شريط من الخشب المنقوش (bois sculpte) يحمل النصّ التالي: «هذه القبّة تربة الفقير إلى رحمة اللّه تعالى وغفرانه السّلطان الملك الصالح نجم الدّين أيّوب ابن السّلطان -