للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه الصّحابة وبلّغوها لأمّته - أن يغصّ بها في حلوق الكافرين، وأن يكون ذكرها نكتا في قلوب كلّ ضالّ معطّل مبتدع يقفو أثر المبتدعة من أهل الطّبائع وعبّاد العلل.

فلذلك وصف اللّه تعالى نفسه الكريمة بها في كتابه، ووصفه رسول اللّه أيضا بما صحّ عنه وثبت.

فدلّ على أنّ المؤمن إذا اعتقد أنّ اللّه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْبَصِيرُ﴾، وأنّه أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، كان ذكره لهذه الأحاديث تمكين الإثبات، وشجا في حلوق المعطّلة. وقد قال الشّافعيّ، : «الإثبات أمكن»، نقله الخطّابي. ولم يبلغنا عن أحد من الصّحابة والتّابعين وتابعيهم أنّهم أوّلوا هذه الأحاديث.

والذي يمنع من تأويلها إجلال اللّه تعالى عن أن تضرب له الأمثال، وأنّه إذا نزل القرآن بصفة من صفات اللّه تعالى، كقوله سبحانه: ﴿يَدُ اَللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الآية ١٠ سورة الفتح]، فإنّ نفس تلاوة هذا يفهم منها السّامع المعنى المراد به، وكذا قوله تعالى: ﴿بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ﴾ [الآية ٦٤ سورة المائدة] عند حكايته تعالى عن اليهود نسبتهم إيّاه إلى البخل، فقال تعالى: ﴿بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ﴾ [الآية ٦٤ سورة المائدة]، فإنّ نفس تلاوة هذا مبيّنة للمعنى المقصود.

وأيضا فإنّ تأويل هذه الأحاديث يحتاج أن يضرب للّه تعالى فيها المثل، نحو قولهم في قوله تعالى: ﴿اَلرَّحْمنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى﴾ [الآية ٥ سورة طه]: الاستواء: الاستيلاء، كقولك «استوى الأمير على البلد». وأنشدوا: «قد استوى بشر على العراق» فلزمهم تشبيه الباري تعالى ببشر.

وأهل الإثبات نزّهوا جلال اللّه عن أن يشبّهوه بالأجسام حقيقة ولا مجازا، وعلموا - مع ذلك - أنّ هذا النّطق يشتمل على كلمات متداولة بين الخالق وخلقه، وتحرّجوا أن يقولوا مشتركة، لأنّ اللّه/ تعالى لا شريك له. ولذلك لم يتأوّل السّلف شيئا من أحاديث الصّفات، مع علمنا قطعا أنّها عندهم مصروفة عمّا يسبق إليه ظنون الجهّال من مشابهتها لصفات المخلوقين.

وتأمّل تجد اللّه تعالى لمّا ذكر المخلوقات المتولّدة من الذّكر والأنثى في قوله سبحانه: ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ اَلْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ [الآية ١١ سورة الشورى]، علم سبحانه ما يخطر بقلوب الخلق فقال عزّ من قائل: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ اَلسَّمِيعُ اَلْبَصِيرُ﴾.

واعلم أنّ السّبب في خروج أكثر الطّوائف عن ديانة الإسلام: أنّ الفرس كانت من سعة الملك، وعلوّ اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسها، بحيث إنّهم كانوا يسمّون