القلعة فلم يثبت، وركب معه أيدمر الدّوادار ليتوجّه إلى بلاد الشّام، ونزل إلى بيت الأمير شرف الدّين موسى بن الأزكشي أمير حاجب، فبعث في الحال إلى الأمير يلبغا يعلمه بمجيء السّلطان إليه، فبعث من قبضه هو والأمير أيدمر. ومن حينئذ لم يوقف له على خبر ألبتّة، مع كثرة فحص أتباعه/ وحواشيه عن قبره وما آل إليه أمره. فكانت مدّة ولايته هذه الثانية ستّ سنين وسبعة أشهر وأيّاما.
وكان ملكا حازما مهابا شجاعا، صاحب حرمة وافرة وكلمة نافذة ودين متين، حلف غير مرّة أنّه ما لاط ولا شرب خمرا ولا زنى. إلاّ أنّه كان ينحل، ويعجب بالنّساء ولا يكاد يصبر عنهنّ، ويبالغ في إعطائهن المال (١).
وعادى في دولته أقباط مصر، وقصد اجتثاث أصلهم (٢)، وكره المماليك، وشرع في إقامة «أولاد النّاس»(٣) أمراء، وترك عشرة بنين وستّ بنات. وكان أشقر أنمش، وقتل وله من العمر
(١) المقريزي: السلوك ٦١: ٣ - ٦٢. (٢) ابن إياس: بدائع الزهور ٥٧٨: ١/ ١. (٣) أولاد النّاس. هم أبناء السّلاطين وأبناء أمراء المماليك الذين ولدوا أحرارا مسلمين ونشأوا داخل حدود السّلطنة المملوكية ويحملون أسماء عربية. فنظرا لأنّ المماليك كانوا يشكّلون مجتمعا مغلقا يتكوّن من الرّقيق - وعلى الأخصّ من الأتراك والشّراكسة - الذين أسروا صغارا في دار الحرب ولا يحملون أسماء عربية، ثم تحوّلوا إلى الإسلام وأعتقوا بعد اجتيازهم العديد من التّدريبات العسكرية اللازمة التي تؤهّلهم ليكونوا جنودا محترفين. وبما أنّ هذه الصّفات لا يمكن توريثها فإنّ أبناءهم الذين ولدوا أحرارا مسلمين انتموا إلى وحدة من غير المماليك أطلق عليها «جند الحلقة» (فيما تقدم ٧٠٠: ٣) كانوا يكوّنون الطّبقة العليا بينهم. وكان «أولاد النّاس» لا يصلون إلى مرتبة أعلى من أمير عشرة أو أمير طبلخانة (قارن، المقريزي: السلوك ٢٧٤: ٣ - ٢٧٥، ٦٢٤ - ٦٢٥، ٧٥٤) فيما عدا استثناءات قليلة مثل ما فعله السّلطان النّاصر حسن الذي «كره المماليك وشرع في إقامة أولاد النّاس أمراء». ونظرا لأنّ وضعهم بطبيعته أقصاهم من طبقة المماليك حيث كان المماليك فقط هم الذين يسمح لهم بالاستمتاع بثروة البلد وتولّى السّلطتين السياسية والعسكرية، فإنّهم لم يرثوا إقطاعات آبائهم وأضحت فرصهم في التّقدّم لشغل الوظائف العليا محدودة، لذلك فإنّ عددا كبيرا منهم ترك حياة الجندية وامتهن دراسة الفقه والأدب وكتابة التاريخ. (راجع، Ayalon، D.، El ٢ art.Awlad al-Nas I، p. ٧٨٨; Haarmann، U.، «The Sons of Mamluks as Fief- Holders in Late Medieval Egypt» in T.Khalidi (ed.)، Land Tenure and Social Transformation in the Middle East، Beirut ١٩٨٤، pp. ١٤١ - ٦٨; id.، «Arabic in speech، Turkish in Lineage: Mamluks and their Sons in the Intellectuel Life of Fourteenth-Century Egypt and Syria» JSS ٣٣ (١٩٨٨)، pp. ٨١ - ١١٤; id.، «Joseph's Law. The Careers and Activities of Mamluk Descendents before the Ottoman Conquest of Egypt» in Th.Philipp and U.Haarmann (eds.)، The Mamluks in Egyptian Politics and Society، Cambridge ١٩٩٩، pp. ٥٥ - ٨٤; Richards، D.S.، «Mamluk Amirs and their Families and Households» in th.Philipp and U. (Haarmann (eds.)، op.cit.، pp. ٣٢ - ٥٤.