للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان موضعه بيت الأمير يلبغا اليحياوي الذي تقدّم ذكره عند ذكر الدّور (١).

ابتدأ السّلطان عمارته في سنة سبع وخمسين وسبع مائة، وأوسع دوره، وعمله في أكبر قالب وأحسن هندام وأضخم شكل، فلا يعرف ببلاد الإسلام معبد من معابد المسلمين يحكي هذا الجامع (٢)، أقامت العمارة فيه مدّة ثلاث سنين لا تبطل يوما واحدا، وأرصد لمصروفها في كلّ يوم عشرون ألف درهم: عنها نحو ألف مثقال ذهبا.

ولقد أخبرني الطّواشي مقبل الشّامي أنّه سمع السّلطان حسنا يقول: انصرف على القالب الذي بني عليه عقد الإيوان الكبير مائة ألف درهم نقرة. وهذا القالب ممّا رمي على الكيمان بعد فراغ العقد المذكور. قال: وسمعت السّلطان يقول: لولا أن يقال ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صرف عليه.


= الثلاثة الأخرى التي خصّصت للمالكية والحنفيّة والحنابلة، كما حدّد الواقف قيمة ما يصرف في كلّ شهر للمعيدين والطّلبة والمدرّسين ونقباء الدّرس. (راجع، محمد محمد أمين: «وثائق وقف السّلطان الملك النّاصر حسن بن محمد ابن قلاوون على مصالح القبّة والمسجد الجامع والمدارس ومكتب السّبيل بالقاهرة» نشرها في نهاية الجزء الثالث من كتاب «تذكرة النّبيه» في أيّام المنصور وبنيه» لابن حبيب، القاهرة ١٩٨٦، ٥١ - ٥٣؛ هويدا الحارثي: كتاب وقف السّلطان النّاصر حسن بن محمد بن قلاوون على مدرسته بالرّميلة، النشرات الإسلامية - ٤٥، بيروت ٢٠٠١، ١٤٨ - ١٥٠؛ سعيد عبد الفتاح عاشور: «العلم بين المسجد والمدرسة» في كتاب تاريخ المدارس في مصر الإسلامية، تاريخ المصريين - ٥١، القاهرة ١٩٩٢، ٢٦ - ٤٤؛ وانظر رأيا مخالفا عند، محمد حمزة الحدّاد: «العلاقة بين النّص التأسيسي والوظيفة والتخطيط المعماري للمدرسة في العصر المملوكي»، المرجع نفسه ٣٣٣ - ٣٣٥).
(١) فيما تقدم ٢٣٣: ٣ - ٢٣٤.
(٢) لفت هذا الجامع - المدرسة - انتباه جميع المؤرّخين والرّحّالة الذين بهرتهم فخامة المبنى وضخامته وسجّلوا إعجابهم به، مثل المقريزي، ومنهم خليل بن شاهين الظّاهري، المتوفى سنة ٨٧٣ هـ/ ١٤٦٨ م؛ الذي يقول: «وأمّا مدرسة السّلطان حسن تجاه القلعة المنصورة فليس لها نظير في الدّنيا … وهي عجيبة من عجائب الدّنيا، سمك جدارها ثمانية عشر ذراعا بالمصري» (زبدة كشف الممالك ٣١)؛ وابن إياس، المتوفى سنة ٩٣٠ هـ/ ١٥٢٤ م، يقول: «من أراد أن يعلم علوّ قدر السّلطان حسن فلينظر علوّ همّته في بناء هذه المدرسة التي لم يبن على وجه الأرض مثلها أبدا، وقد فاق أباه وجدّه في الحرمة والكلمة والنّظام العظيم» (بدائع الزهور ١/ ٥٦١: ١). وقال عنه جومار Jomard - أحد العلماء المصاحبين للحملة الفرنسية -: «وهذا الجامع من أجمل مباني القاهرة والإسلام، ويستحق أن يكون في الرّتبة الأولى من مراتب العمارة العربية بفضل قبّته العالية وارتفاع مئذنتيه وعظم اتّساعه وفخامة وكثرة زخارفه التي تكسو الأرضية والحوائط … ويبدو أنّ مهندس هذا الجامع كان مجبرا على البناء على أرض غير منتظمة، ولكنّه تجنّب بمهارة فائقة عدم انتظام الخطوط المنحرفة التي واجهته … ومدخله المطلّ على شارع سوق السّلاح في غاية الضّخامة - رغم عدم استقامته - ولا شكّ أنّ أثره كان سيكون أقوى من ذلك لو كان هناك ميدان أمام هذا الباب مماثل للميدان الموجود تجاه القلعة» (وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل ١٦٩، ١٧٠، ١٧١).