ثم بنى هناك شرف الدّين بن زنبور ساقية، وعمّر بجوارها رجل يعرف بالحاج محمد بن عزّ الفرّاش دارا تشرف على النّيل، وتردّد إليها، فلمّا مات أخذها شخص يقال له تاج الدّين ابن الأزرق ناظر الجهات، وسكنها، فعرفت بدار الفاسقين لكثرة ما يجري فيها من أنواع المحرّمات (a).
فاتّفق أنّ النّشو ناظر الخاصّ قبض على ابن الأزرق وصادره، فباع هذه الدّار في جملة ما باعه من موجوده. فاشتراها منه الأمير عزّ الدّين أيدمر الخطيري وهدمها، وبنى مكانها هذا الجامع، وسمّاه «جامع التّوبة» وبالغ في عمارته، وتأنّق في رخامه، فجاء من أجلّ جوامع مصر وأحسنها.
وعمل له منبرا من رخام في غاية الحسن، وركّب فيه عدّة شبابيك من حديد تشرف على النّيل
الأعظم، وجعل فيه خزانة كتب جليلة نفيسة، ورتّب فيه درسا للفقهاء الشّافعية، ووقف عليه عدّة أوقاف منها داره العظيمة التي هي في الدّرب الأصفر تجاه خانقاه بيبرس. فكان (b) جملة ما أنفق في عمارة (c) هذا الجامع أربع مائة ألف درهم نقرة، وكملت عمارته في سنة سبع وثلاثين وسبع مائة، وأقيمت به الجمعة في يوم الجمعة عشرين جمادى الآخرة (١). فلمّا خلص ابن الأزرق من المصادرة حضر إلى الأمير الخطيري وادّعى أنّه باع داره وهو مكره، فدفع إليه ثمنها مرّة ثانية.
(a) المسوّدة: لكثرة ما يمضي اللّه فيها. (b) بولاق: وكان. (c) ساقطة من بولاق. (١) أوّل من ولي خطابته وإمامته وتدريسه الشّيخ كمال الدّين أبو محمد (وأبو العبّاس) أحمد بن عمر بن مهدي النّشائي، المتوفى يوم الأحد حادي عشر صفر سنة ٧٥٧ هـ/ ١٣٥٦ م. (المقريزي: السلوك ٣١: ٣؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٢٣: ١٠ - ٣٢٤).