للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان إلى جانب الميدان قاعة ومنظرة عظيمة بناها السّلطان الملك الظّاهر. فلمّا رسم ببناء هذا (a) الجامع طلبها الأمير سيف الدّين قشتمر العجمي من السّلطان فقال: الأرض قد خرجت عنها لهذا الجامع فاستأجرها من ديوانه، والبناء والأصناف وهبتك إيّاها، وشرع في العمارة في منتصف جمادى الآخرة منها.

وفي أوّل جمادى الآخرة سنة ستّ وستين وستّ مائة، سار السّلطان من الدّيار المصرية (b) يريد بلاد الشّام، فنزل على مدينة يافا وتسلّمها من الفرنج بأمان في يوم الأربعاء العشرين من جمادى الآخرة المذكور، وسيّر أهلها فتفرّقوا في البلاد، وشرع في هدمها، وقسّم أبراجها على الأمراء، فابتدأ في ذلك من ثاني عشرينه، وقاسوا شدّة في هدمها لحصانتها وقوّة بنائها، لا سيّما القلعة فإنّها كانت حصينة عالية الارتفاع، ولها أساسات إلى الأرض الحقيقية.

وباشر السّلطان الهدم بنفسه وبخواصّه ومماليكه، حتى غلمان البيوتات التي له. وكان ابتداء هدم القلعة في سابع عشرينه، ونقضت من أعلاها ونظّفت زلاّقتها واستمرّ الاجتهاد (c) في ذلك ليلا ونهارا، وأخذ من أخشابها جملة. ومن ألواح الرّخام التي وجدت فيها، وأوسق منها (d) مركبا من المراكب التي وجدت في يافا، وسيّرها إلى القاهرة، ورسم بأن يعمل من ذلك الخشب مقصورة في الجامع الظّاهري بالميدان من بالحسينيّة، والرّخام يعمل بالمحراب، فاستعمل كذلك (١).

ولمّا عاد السّلطان إلى مصر في حادي عشر (e) ذي الحجّة منها - وقد فتح في هذه السّفرة يافا وطرابلس وأنطاكية وغيرها - أقام إلى أن أهلّت سنة سبع وستين وستّ مائة، فلمّا كملت عمارة الجامع في شوّال منها ركب السّلطان، ونزل إلى الجامع وشاهده، فرآه في غاية ما يكون من الحسن، وأعجبه نجازه في أقرب وقت ومدّة مع علوّ الهمّة. فخلع على مباشريه - وكان الذي تولّى بناءه الصّاحب بهاء الدّين بن حنّا، والأمير علم الدّين سنجر المسروري (f) متولّي القاهرة - (٢)


(a) إضافة من المسوّدة.
(b) بولاق: ديار مصر.
(c) بولاق: الأجناد.
(d) بولاق: ووسق منها.
(e) بولاق: حادي عشري.
(f) بولاق: السروري. - ٥٥٦: ١؛ أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ١٦١: ٧؛ ابن إياس: بدائع الزهور ٣٣١: ١/ ١.
(١) بعد ذلك في المسوّدة حديث عن تاريخ يافا ومن فتحها.
(٢) آخر الموجود في المسوّدة.