للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني سنة خمس وستين وستّ مائة - اهتمّ السّلطان بعمارة جامع بالحسينيّة، وسيّر الأتابك فارس الدّين أقطاي المستعرب والصّاحب فخر الدّين محمد بن الصّاحب بهاء الدّين عليّ بن حنّا وجماعة من المهندسين لكشف مكان يليق أن يعمل جامعا. فتوجّهوا لذلك واتّفقوا على مناخ الجمال السّلطانية، فقال السّلطان:/ لا واللّه لا جعلت الجامع مكان الجمال، وأولى ما جعلته ميداني الذي ألعب فيه بالكرة وهو نزهتي.

فلمّا كان يوم الخميس ثامن شهر ربيع الآخر ركب السّلطان وصحبته خواصّه ووزيره الصّاحب بهاء الدّين عليّ بن حنّا القضاة والأئمة (a)، ونزل إلى ميدان قراقوش، وتحدّث في أمره وقاسه ورتّب أموره وأمور بنائه، ورسم بأن يكون بقية الميدان وقفا على الجامع يحكر، ورسم بين يديه هيئة الجامع، وأشار أن يكون بابه مثل باب المدرسة الظّاهريّة، وأن يكون على محرابه قبّة على قدر قبّة الشّافعيّ - رحمة اللّه عليه (b).

وكتب في وقته الكتب إلى البلاد بإحضار العمد الرّخام الكبار (c) من سائر البلاد، وكتب بإحضار الجمال والجواميس والأبقار والدّواب من سائر الولايات، وكتب بإحضار الآلات من الحديد والأخشاب النّقيّة برسم الأبواب والسّقوف وغيرها.


(a) بولاق: الوزير.
(b) المسوّدة: .
(c) بولاق: عمد رخام. - المحراب، ثم سقطت مئذنته، ولم يبق منه إلاّ جدرانه الخارجية المبنية بالحجر النحيت. وجعل الجامع في العصر العثماني مخزنا للمهمّات الحربية كالخيام والسّروج، واستخدمه الفرنسيون زمن الحملة كقلعة وثكنة للجنود (الجبرتي: عجائب الآثار ٥٦: ٣)، ثم جعل مخبزا للجراية ومعملا للصّابون في زمن محمد علي باشا، وجعله الإنجليز زمن الاحتلال البريطاني مذبحا للجيش الإنجليزي وبطل الذّبح فيه سنة ١٩١٥ م، وهذا سبب اشتهاره باسم «مذبح الإنجليز». وفي سنة ١٩١٨ م غرست مصلحة التّنظيم أرض صحن الجامع وجعلته متنزّها عاما. وعمّرت لجنة حفظ الآثار العربية في سنة ١٩٢٨ م الجزء الواقع عند المحراب وجعلته مصلّى، وأصبح الدّخول لآداء الصّلاة من حائط القبلة. وتجري به الآن بعثة أمريكية بعض أعمال التّرميم والإصلاح.