للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأطلق في نصف ذي القعدة وهو مريض، فأخرج إلى دمياط وأقام بها مدّة، ثم أحضر إلى القاهرة، وقلّد وظيفة الوزارة في سنة خمس وثمان مائة وجعل مشيرا (١). فأبطل مكوس النّحيرة (a) - وهو ما يؤخذ على ما يذبح من البقر والغنم - واستعمل في أموره العسف، وترك مداراة الأمراء واستعجل. فقبض عليه وعوقب، وسجن إلى أن أخرج في رمضان سنة سبع وثمان مائة، وقلّد وظيفة الإشارة - وكانت للأمير جمال الدّين يوسف الأستادّار - فلم يترك عادته في الإعجاب برأيه، والاستبداد بالأمور، واستعجال الأشياء قبل أوانها.

فقبض عليه في ذي الحجّة منها، وسلّم للأمير جمال الدّين يوسف، فعاقبه وبعث به إلى الإسكندرية، فسجن بها إلى أن سعى جمال الدّين في قتله، بمال بذله للنّاصر فيه حتى أذن له في ذلك، فقتل خنقا عصر يوم الجمعة - وهو صائم - السّابع عشر من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثمان مائة -/ (b)) عن بضع وثلاثين سنة (b).

وكان كثير النّسك من الصّلاة والصّوم والصّدقة. لا يخلّ بشيء من نوافل العبادات، ولا يترك قيام اللّيل سفرا ولا حضرا، ولا يصلّي قطّ إلاّ بوضوء جديد، وكلّما أحدث توضّأ، وإذا توضّأ صلّى ركعتين. وكان يصوم يوما ويفطر يوما، ويخرج في كثرة الصّدقات عن الحدّ، ويقرأ في كلّ ثلاثة أيّام ختمة، ولا يترك أوراده في حال من الأحوال مع المروءة والهمّة.

وسمع كثيرا من الحديث، وقرأ بنفسه على المشايخ، وكتب الخطّ المليح، وقرأ القراءات السّبع، وعرف التّصوّف والفقه والحساب والنّجوم، إلاّ أنّه كان متهوّرا في أخذ الأموال، عسوفا لجوجا مصمّما، لا ينقاد إلى أحد، ويستبدّ برأيه فيغلط غلطات لا تحتمل، ويستخفّ بغيره، ويعجب بنفسه، ويريد أن يجعل غاية الأمور بدايتها. فلذلك لم يتمّ له أمر.


(a) بولاق: البحيرة، ودرر العقود: ميسم النحيرة.
(b-b) إضافة من درر العقود الفريدة.
(١) المقريزي: درر العقود الفريدة ٥٤٧: ٣، السلوك ١١٤٩: ٣.