للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فكتب إليه الشّريف أبو إسماعيل إبراهيم الرّسّي (a) يقول: يا مولانا لقد استحقّ هذا الكافر كلّ عذاب، والعجب من الإحسان إليه. فلمّا لقيه قال: يا إبراهيم، قرأت كتابك في أمر أفتكين، وأنا أخبرك، اعلم أنّا قد وعدناه الإحسان والولاية، فلمّا قبل وجاء إلينا نصب فازاته وخيامه حذاءنا، وأردنا منه الانصراف، فلجّ وقاتل. فلمّا ولّى منهزما، وسرت إلى فازاته ودخلتها، سجدت للّه شكرا، وسألته أن يفتح لي بالظّفر به، فجيء به بعد ساعة أسيرا، أترى يليق بي غير الوفاء؟

ولمّا وصل العزيز إلى القاهرة، اصطنع أفتكين، وواصله بالعطايا والخلع حتى قال: لقد احتشمت من ركوبي مع الخليفة مولانا العزيز باللّه ونظري إليه بما غمرني من فضله وإحسانه.

فلمّا بلغ العزيز ذلك قال لعمّه حيدرة: يا عمّ أحبّ أن أرى النّعم عند النّاس ظاهرة، وأرى عليهم الذّهب والفضّة والجواهر، ولهم الخيل واللّباس والضّياع والعقار، وأن يكون ذلك كلّه من عندي (١).

ومات بمدينة بلبيس من مرض طويل بالقولنج والحصاة، في اليوم الثّامن والعشرين من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاث مائة، فحمل إلى القاهرة، ودفن بتربة القصر مع آبائه. وكانت مدّة خلافته بعد أبيه المعزّ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفا، ومات وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة عشر يوما، وكان نقش خاتمه:

«بنصر العزيز الجبّار، ينتصر الإمام نزار».

ولمّا مات وحضر النّاس إلى القصر للتّعزية، أفحموا عن أن يوردوا في ذلك المقام شيئا، ومكثوا مطرقين لا ينبسون. فقام صبيّ من أولاد الأمراء الكتاميين (b)، وفتح باب التّعزية وأنشد:

[الكامل]

انظر إلى العلياء كيف تضام … ومآتم الأحساب كيف تقام

خبّرتني ركاب الرّكاب ولم يدع … للسّفر وجه ترحّل فأقاموا

فاستحسن النّاس إيراده، وكأنّه طرق لهم كيف يوردون المراثي؛ فنهض الشّعراء والخطباء حينئذ وعزّوا، وأنشد كلّ واحد ما عمل في التّعزية.


(a) بولاق: الرئيس.
(b) بولاق: الكنانيين.
(١) راجع خبر أفتكين مع العزيز باللّه فيما تقدم ٢٣: ٣ - ٢٧ وما ذكر من مراجع.