«ويكون جميع ما بقي، ممّا تصدّق به على هذه المواضع، يصرف في جميع ما يحتاج إليه في جامع المقس المذكور من عمارته، ومن ثمن الحصر العبدانية والمظفورة، وثمن العود للبخور وغيره، على ما شرح من الوظائف في الذي تقدّم»(١).
وكان لهذا الجامع محلّ كبير (a) في الدّولة الفاطميّة، ويركب الخليفة إلى منظرة كانت بجانبه عند عرض الأسطول فيجلس بها لمشاهدة ذلك، كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب عند ذكر المناظر (٢).
وفي سنة سبع وثمانين وخمس مائة انشقّت زربيّة (b) هذا الجامع في شهر رمضان لكثرة زيادة ماء النّيل، وخيف على الجامع السّقوط فأمر بعمارتها.
ولمّا بنى السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب هذا السّور الذي على القاهرة، وأراد أن يوصّله بسور مصر من خارج باب البحر إلى الكوم الأحمر - حيث منشأة المهراني اليوم - وكان المتولّي لعمارة ذلك الأمير بهاء الدّين قراقوش الأسدي، أنشأ بجوار جامع المقس برجا كبيرا عرف بقلعة المقس في مكان المنظرة التي كانت للخلفاء (٣).
فلمّا كان في سنة سبعين وسبع مائة جدّد بناء هذا الجامع الوزير الصّاحب شمس الدّين عبد اللّه المقسي (٤)، وهدم القلعة وجعل مكانها جنينة، واتّهمه النّاس بأنّه وجد هنالك مالا كثيرا، وأنّه عمّر منه الجامع المذكور، فصار العامّة اليوم يقولون: جامع المقسي. ويظنّ من لا علم عنده أنّ هذا الجامع من إنشائه، وليس كذلك بل إنّما جدّده وبيّضه (٥).
وقد انحسر ماء النّيل عن تجاه هذا الجامع كما ذكر في خبر بولاق والمقس (٦)، وصار هذا الجامع اليوم على حافة الخليج النّاصريّ. وأدركنا ما حوله في غاية العمارة، وقد تلاشت المساكن التي هناك، وبها إلى اليوم بقيّة يسيرة.
(a) بولاق: نخل كثير. (b) بولاق: زريبة. (١) المقريزي: مسودة الخطط ٧٦ ظ. (٢) فيما تقدم ٥٦٢: ٢ - ٥٦٥. (٣) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ١٩. (٤) حاشية بخطّ المؤلّف: «مات عبد اللّه أبو الفرج الوزير شمس الدّين المقسي يوم السبت ثالث شعبان سنة خمس وتسعين وسبع مائة ودفن بالجامع». (٥) المقريزي: السلوك ٧٩٣: ٣. (٦) فيما تقدم ٤٠٣: ٣، ٤٣٠ - ٤٣٢.