وروى ابن عبد الحكم، عن عبد اللّه بن عمر ﵄ أنّه قال: نيل مصر سيّد الأنهار، سخّر اللّه له كلّ نهر بين المشرق والمغرب. فإذا أراد اللّه أن يجري نيل مصر أمر كلّ نهر أن يمدّه، فتمدّه الأنهار بمائها، وفجّر اللّه له الأرض عيونا فأجرته إلى ما أراد اللّه ﷿، فإذا انتهت جريته أوحى إلى كلّ ماء أن يرجع إلى عنصره.
وعن يزيد بن أبي حبيب أنّ معاوية بن أبي سفيان ﵁ سأل كعب الأحبار: هل تجد لهذا النّيل في كتاب اللّه خبرا؟ قال: إي والذي فلق البحر لموسى، إنّي لأجده في كتاب اللّه أنّ اللّه يوحي إليه في كلّ عام مرّتين: يوحي إليه عند جريته: إنّ اللّه يأمرك أن تجري، فيجري ما كتب اللّه له، ثم يوحي إليه بعد ذلك: يا نيل، عد حميدا.
وعن كعب الأحبار أنّه قال: أربعة أنهار من الجنّة وضعها اللّه/ في الدّنيا: النّيل نهر العسل في الجنّة، والفرات نهر الخمر في الجنّة، وسيحان نهر الماء في الجنّة، وجيحان نهر اللّبن في الجنة (١).
وقال المسعودي: نهر النّيل من سادات الأنهار وأشراف البحار، لأنّه يخرج من الجنّة على ما ورد به خبر الشّريعة.
وقد قالت: إنّ النّيل إذا زاد غاضت له الأنهار والأعين والآبار، وإذا غاض زادت؛ فزيادته من غيضها، وغيضه من زيادتها وليس في أنهار الدّنيا نهر يسمّى بحرا [ويمّا] (a) غير نيل مصر لكبره واستبحاره (٢).
وقال ابن قتيبة في كتاب «غريب الحديث»: وفي حديثه ﵇: «نهران مؤمنان ونهران كافران، أمّا المؤمنان فالنّيل والفرات، وأمّا الكافران فدجلة ونهر بلخ»، إنّما جعل النّيل والفرات مؤمنين على التّشبيه لأنهما يفيضان على الأرض، ويسقيان الحرث والشّجر، بلا تعب في ذلك ولا مئونة، وجعل دجلة ونهر بلخ كافرين لأنهما لا يفيضان على الأرض، ولا يسقيان إلاّ شيئا قليلا، وذلك القليل بتعب ومئونة، فهذان في الخير والنّفع كالمؤمنين، وهذان في قلّة الخير والنّفع كالكافرين (٣).
(a) زيادة من المسعودي. وأثبت Wiet اعتمادا على سفر التكوين أن النهرين هما: فيسون وجيحون (نشرة فييت ٢١٦: ١ هـ ٦، ٨). (١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٤٩ - ١٥٠، وقارن أبا المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٤: ١؛ السيوطي: حسن المحاضرة ٣٤٠: ٢. (٢) المسعودي: مروج الذهب ٦٦: ٢، ٦٧. (٣) لم أجد هذا الخبر في نشرة غريب الحديث لابن قتيبة؛ وقارن المسعودي، مروج الذهب ١١٢: ١.