للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأحبّ لقربه من الجامع أن يؤثّر فيه أثرا صالحا، فاستأذن السّلطان الملك النّاصر حسن بن محمد ابن قلاوون في عمارة الجامع - وكان أثيرا عنده خصيصا به - فأذن له في ذلك. وكان قد استجدّ بالجامع عدّة مقاصير، ووضعت فيه صناديق وخزائن حتى ضيّقته، فأخرج الخزائن والصّناديق، ونزع تلك المقاصير، وتتبّع جدرانه وسقوفه بالإصلاح حتى عادت كأنّها جديدة، وبيّض الجامع كلّه وبلّطه، ومنع النّاس من المرور فيه، ورتّب فيه مصحفا، وجعل له قارئا. وأنشأ على باب الجامع القبلي حانوتا لتسبيل الماء العذب في كلّ يوم، وعمل فوقه مكتب سبيل لإقراء أيتام المسلمين كتاب اللّه العزيز. ورتّب للفقراء المجاورين بالجامع (a) طعاما يطبخ كلّ يوم، وأنزل إليه قدورا من نحاس جعلها فيه. ورتّب فيه درسا للفقهاء من الحنفيّة، يجلس مدرّسهم لإلقاء الفقه في المحراب الكبير، ووقف على ذلك أوقافا جليلة باقية إلى يومنا هذا. ومؤذّنو الجامع يدعون في كلّ جمعة، وبعد كلّ صلاة، للسّلطان حسن إلى هذا الوقت الذي نحن فيه.

وفي سنة أربع وثمانين وسبع مائة، ولي الأمير الطّواشي بهادر، المقدّم على المماليك السّلطانية، نظر الجامع الأزهر. فتنجّز مرسوم السّلطان الملك الظّاهر برقوق: بأنّ من مات من مجاوري الجامع الأزهر عن غير وارث شرعي وترك موجودا، فإنّه يأخذه المجاورون بالجامع.

ونقش ذلك على حجر عند الباب الكبير البحري.

وفي سنة ثمان مائة هدمت منارة الجامع، وكانت قصيرة، وعمّرت أطول منها، فبلغت النّفقة عليها من مال السّلطان (b)) الملك الظّاهر برقوق (b) خمسة عشر ألف درهم نقرة، وكملت في ربيع الآخر من السنة المذكورة. فعلّقت القناديل فيها ليلة الجمعة من هذا الشهر، وأوقدت حتى اشتعل الضّوء من أعلاها إلى أسفلها. واجتمع القرّاء والوعّاظ بالجامع، وتلوا ختمة شريفة، ودعوا للسّلطان.

فلم تزل هذه المئذنة إلى شوّال سنة سبع عشرة وثمان مائة، فهدمت لميل ظهر فيها، وعمل بدلها منارة من حجر على باب الجامع البحري بعد ما هدم الباب وأعيد بناؤه بالحجر، وركّبت المنارة فوق عقده، وأخذ الحجر لها من مدرسة الملك الأشرف التي كانت تجاه قلعة الجبل (١).


(a) ساقطة من بولاق.
(b-b) ساقطة من بولاق.
(١) المدرسة الأشرفية، انظر عنها فيما يلي ٦٦١ - ٦٦٦.