للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصواتهم بذكر اللّه سبحانه من غير آلات - فإنّ الآلات كانت ممّا يختصّ ببيت المقدس فقط، وقد نهوا عن ضربها في غير البيت - فيتسامع من في قرى (a) بيت المقدس، فيقوم في كلّ قرية رجال يرفعون أصواتهم بذكر اللّه تعالى حتى يعمّ الصّوت بالذّكر جميع قرى بني إسرائيل ومدنهم.

وما زال الأمر على ذلك في كلّ ليلة إلى أن خرّب بخت نصّر بيت المقدس، وجلاّ بني إسرائيل إلى بابل، فبطل هذا العمل وغيره من بلاد بني إسرائيل مدّة جلائهم في بابل سبعين سنة. فلمّا عاد بنو إسرائيل من بابل وعمّروا البيت العمارة الثّانية، أقاموا شرائعهم، وعاد قيام بني لاوي بالبيت في اللّيل، وقيام أهل محالّ القدس وأهل القرى والمدن على ما كان العمل/ عليه أيّام عمارة البيت الأوّل (b). واستمرّ ذلك إلى أن خرب القدس بعد قتل نبيّ اللّه يحيى ابن زكريّا، وقيام اليهود على روح اللّه ورسوله عيسى بن مريم - صلوات اللّه عليهم - على يد طيطش، فبطلت شرائع بني إسرائيل من حينئذ، وبطل هذا القيام فيما بطل من بلاد بني إسرائيل.

وأمّا في الملّة الإسلامية، فكان ابتداء هذا العمل بمصر وسببه أنّ مسلمة بن مخلد أمير مصر بنى منارا لجامع عمرو بن العاص واعتكف فيه، فسمع أصوات النّواقيس عالية، فشكا ذلك إلى شرحبيل بن عامر عريف المؤذّنين. فقال: إنّى أمدّد الأذان من نصف الليل إلى قرب الفجر، فانههم أيّها الأمير أن ينقسوا إذا أذّنت. فنهاهم مسلمة عن ضرب النّواقيس وقت الأذان، ومدّد شرحبيل ومطّط أكثر اللّيل (١).

ثم إنّ الأمير أبا العبّاس أحمد بن طولون كان قد جعل، في حجرة تقرب منه، رجالا تعرف بالمكبّرين، عدّتهم اثنا عشر رجلا، يبيت في هذه الحجرة كلّ ليلة أربعة يجعلون اللّيل بينهم عقبا. فكانوا يكبّرون ويسبّحون ويحمّدون اللّه سبحانه في كلّ وقت، ويقرأون القرآن بألحان، ويتوسّلون ويقولون قصائد زهدية، ويؤذّنون في أوقات الأذان، وجعل لهم أرزاقا واسعة تجرى عليهم.


(a) بولاق: فيتسامع من قرية.
(b) بولاق: الأولى.
(١) فيما تقدم ٨٣.