ولمّا بنى أحمد بن طولون القطائع اتّصلت مبانيها بالعسكر، وبنى الجامع على جبل يشكر، فعمر ما هنالك عمارة عظيمة، بحيث كانت هناك دار (a)) تعرف بدار الفيل (a) على بركة قارون أنفق عليها كافور الإخشيدي مائة ألف دينار وسكنها (a)) في سنة ستّ وأربعين وثلاث مائة (a)، وكان هناك مارستان أحمد بن طولون (١) أنفق عليه وعلى مستغلّه ستين ألف دينار.
وقدمت عساكر المعزّ لدين اللّه مع كاتبه وغلامه جوهر القائد، في سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة، والعسكر عامر. غير أنّه منذ بنى أحمد بن طولون القطائع هجر اسم العسكر، وصار يقال «مدينة الفسطاط والقطائع». فلمّا خرّب محمد بن سليمان الكاتب قصر ابن طولون وميدانه - كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب - صارت القطائع فيها المساكن الجليلة حيث كان العسكر (٢).
وأنزل المعزّ لدين اللّه عمّه أبا عليّ في دار الإمارة، فلم يزل أهله بها إلى أن خربت القطائع في الغلاء الكائن بمصر في خلافة المستنصر أعوام بضع وخمسين وأربع مائة. فيقال إنّه كان هنالك ما ينيف على مائة ألف دار (٣)، ولا ينكر ذلك. فانظر ما بين سفح الجبل - حيث القلعة الآن - وبين ساحل مصر القديم الذي يعرف اليوم بالكبارة، وما بين كوم الجارح من مصر وقناطر السّباع، فهناك كانت القطائع والعسكر. ويخصّ العسكر من ذلك ما بين قناطر السّباع وحدرة ابن قميحة إلى كوم الجارح، حيث الفضاء الذي يتوسّط فيما بين قنطرة السّدّ وباب المجدم من جهة القرافة فهناك كان العسكر.
ولمّا استولى الخراب في المحنة زمن المستنصر، أمر الوزير النّاصر للدين [الحسن بن عليّ ابن] (b) عبد الرّحمن اليازوري ببناء حائط يستر الخراب إذا توجّه الخليفة إلى مصر فيما بين العسكر والقطائع وبين الطّريق، وأمر فبني حائط آخر عند جامع ابن طولون.
فلمّا كان في خلافة الآمر بأحكام اللّه أبي عليّ منصور بن المستعلى باللّه، أمر وزيره أبو عبد اللّه محمد بن فاتك المنعوت بالمأمون البطائحي فنودي مدّة ثلاثة أيّام في القاهرة ومصر بأنّ:
(a-a) ساقطة من بولاق. (b) إضافة اقتضاها السياق. (١) فيما تقدم ٥٧: ٢، وفيما يلي ٦٩١ - ٦٩٢. (٢) فيما تقدم ١٠٤: ٢. (٣) مصدر هذا الخبر ابن دحية: النبراس في مناقب بني العباس ١٤٢؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٤٠: ٣؛ وفيما تقدم ١١٢: ٢.