وكانت أماكن إعاشة المتصوّفة في الغالب جزءا من الخانكاه، ولكن في بعض الحالات كان يطلق عليها «الرّباط» مثلما ورد في حجّة وقف السّلطان النّاصر محمد بن قلاوون على خانكاه سرياقوس، فقد حدّدت هذه الحجّة بوضوح أنّ الخانكاه هي «مكان اجتماع الصّوفيّة لممارسة وظيفة التّصوّف من تهليل وأذكار وتسبيح واستغفار»، بينما ذكرت أنّ الموضع الذي أطلقت عليه «الرّباط» والمشتمل على ستين بيتا «جعل مأوى للفقراء الواردين إليه، والرّباطات الباقيات المشتمل كلّ منهما على أحد وعشرين بيتا جعلت برسم سكنى الفقراء الصّوفيّة المقيمين بهذا المكان على الدّوام والاستمرار»(١).
وبدأت الخوانك منذ مطلع القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي بإيعاز من طبقة العلماء، المرتابين في الصّوفيّة والتّصوّف، بإفساح مساحة لتدريس العلوم الدّينية، هكذا عيّن شيخ لتدريس علوم الحديث لثلاثين طالبا في خانكاه بيبرس الجاشنكير.
ومع إنشاء «المدرسة المهمنداريّة» سنة ٧٢٥ هـ/ ١٣٢٥ م جمعت المدرسة لأوّل مرّة بين وظيفة المدرسة ووظيفة الخانكاه، بحيث أصبح الطّلبة هم أنفسهم المتصوّفة. وأشير إلى بعض هذه المؤسّسات على أنّها خوانك يدرّس بها الفقه، وإلى بعضها الآخر باعتباره مدارس اشترط على طلبتها حضور وظيفة التّصوّف. وقد اتّضح هذا الأنموذج على الأخصّ مع مدرسة وخانكاه الظّاهر برقوق التي أشرت إليها منذ قليل (فيما تقدم ٨٥ *- ٨٦ *).
وعلى خلاف الخانكاه والرّباط، كانت «الزّاوية» تنشأ في الغالب برسم شخص معيّن ينقطع فيها للعبادة، أو برسم شيخ يمثّل «طريقة صوفيّة» معيّنة؛ وعند وفاة الشّيخ كان يخلفه فيها شيخ من «الطّريقة» نفسها. ومع تراجع دور الخوانك آلت بعض وظائفها إلى الزّوايا، وظهر لذلك نمطان من الزّوايا في القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي:
- الزّاوية التّقليدية التي تنشأ من أجل طريقة صوفيّة معيّنة يتمّ تمويلها بواسطة الشّيخ نفسه أو بواسطة أحد المماليك أو الأعيان، وعادة ما ترتبط هذه الزّوايا بالطّبقة الحاكمة.
- الزّاوية التي تؤدّي أيضا دور المسجد أو الرّباط والمستقلّة نسبيّا عن الطّبقة