وكان قد أمر بردّ المتوكّل من نفيه، فردّ إلى منزله من يومه، فأقام به حتى رضي عنه أينبك، وأعاده في العشرين من ربيع الأوّل منها إلى خلافته. ثم سخط عليه الظّاهر برقوق، وسجنه مقيّدا في يوم الاثنين أوّل رجب سنة خمس وثمانين، وقد وشي به أنّه يريد الثّورة وأخذ الملك.
وأقام عوضه (a) في الخلافة «الواثق باللّه» أبو حفص عمر بن المعتصم أبي إسحاق إبراهيم بن محمد ابن الحاكم في يوم الاثنين المذكور. فما زال خليفتة حتى مات يوم السبت تاسع شوّال سنة ثمان وثمانين. فأقام الظّاهر بعده في الخلافة أخاه زكريّا بن إبراهيم في يوم الخميس ثامن عشرينه، ولقّب ب «المستعصم»، وركب بالخلعة وبين يده القضاة من القلعة إلى منزله.
فلمّا أشرف الظّاهر برقوق على زوال ملكه، وقرب الأمير يلبغا النّاصريّ نائب حلب بالعساكر، استدعى المتوكّل على اللّه من محبسه وأعاده إلى الخلافة، وخلع عليه في يوم الأربعاء أوّل جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين، وبالغ في تعظيمه وأنعم عليه. فلم يزل على خلافته حتى توفّي ليلة الثلاثاء ثامن عشرين رجب سنة ثمان وثمان مائة. وهو أوّل من اتّسعت أحواله من الخلفاء (b)) أهل بيته (b) بمصر، وصار له إقطاعات ومال.
فأقيم بعده في الخلافة ابنه «المستعين باللّه» أبو الفضل العبّاس، وخلع عليه في يوم الاثنين رابع شعبان بالقلعة بين يدي النّاصر فرج (c)، ونزل إلى داره، ثم سار مع النّاصر إلى الشّام، وحضر معه وقعة اللّجّون حتى انهزم. فدعاه الأميران شيخ ونوروز، فمضى من موقفه إليهما ومعه مباشرو الدّولة، فأنزلاه ووكّلا به، وسارا به لحصار النّاصر، ثم ألزماه حتى خلعه من السّلطنة وإقامة شيخ في السّلطنة، وبايعه ومن معه في يوم السبت خامس عشرين المحرّم سنة خمس عشرة وثمان مائة، وبعث إلى نوروز وهو بشمالي دمشق حتى بايعه.
فنالوا بإقامته أغراضهم من قتل النّاصر وانتظام أمرهم، ثم سار به شيخ إلى مصر، وأقام نوروز بدمشق. فلمّا قدم به أسكنه القلعة، ونزل هو بالحرّاقة من باب السّلسلة (١)، وقام بجميع الأمور، وترك الخليفة في غاية الحصر حتى استبدّ بالسّلطنة. فكانت مدّة الخليفة منذ أقاموه سلطانا سبعة
(a) بولاق: وأقيم بعده. (b-b) ساقطة من بولاق. (c) بولاق: بن برقوق. (١) الحرّاقة من باب السّلسلة. مقعد بالإسطبلات السّلطانية. (القلقشندي: صبح ٢٧٧: ٣؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٢١: ١١).