للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم خطب من الغد وصلّى بالنّاس الجمعة في جامع القلعة، ودعي له من يومئذ على منابر أراضي مصر كلّها قبل الدّعاء للسّلطان، ثم خطب له على منابر الشّام، واستمرّ الحال على الدّعاء له ولمن جاء من بعده من الخلفاء. وما زال بالبرج إلى أن منعه السّلطان من الاجتماع بالنّاس في المحرّم سنة ثلاث وستين، فاحتجب وصار كالمسجون زيادة على سبع وعشرين سنة بقيّة أيّام الظّاهر بيبرس وأيّام ولديه محمد بركة وسلامش وأيّام قلاوون.

فلمّا صارت السّلطنة إلى الأشرف خليل بن قلاوون، أخرجه من سجنه مكرّما في يوم الجمعة العشرين من شهر رمضان سنة تسعين وستّ مائة، وأمّره. فصعد منبر الجامع بالقلعة وخطب وعليه سواده، وقد تقلّد سيفا محلّى، ثم نزل فصلّى بالنّاس صلاة الجمعة قاضي القضاة بدر الدّين بن جماعة، وخطب أيضا خطبة ثالثة في يوم الجمعة تاسع عشرين ربيع الأوّل سنة إحدى وتسعين، وحجّ سنة أربع وتسعين.

ثم منع من الاجتماع بالنّاس فامتنع حتى أفرج عنه المنصور لاجين في سنة ستّ وتسعين، وأسكنه بمناظر الكبش (١)، وأنعم عليه بكسوة له ولعياله، وأجرى عليه ما يقوم به. وخطب بجامع القلعة خطبة رابعة، وصلّى بالنّاس الجمعة، ثم حجّ سنة سبع وتسعين، وتوفّي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى سنة إحدى وسبع مائة. فكانت خلافته مدّة أربعين سنة ليس له فيها أمر ولا نهي، إنّما حظّه أن يقال «أمير المؤمنين».

وكان قد عهد إلى ابنه الأمير أبي عبد اللّه محمد المستمسك، ثم من بعده لأخيه أبي الرّبيع سليمان المستكفي. فمات المستمسك في حياته، واشتدّ جزعه عليه، فعهد لابنه إبراهيم بن محمد المستمسك. فلمّا مات الحاكم أقيم من بعده ابنه «المستكفى باللّه» أبو الرّبيع سليمان بعهده له، فشهد وقعة شقحب مع الملك النّاصر محمد بن قلاوون وعليه سواده، وقد أرخى له عذبة طويلة، وتقلّد سيفا عربيّا محلّى.

ثم تنكّر عليه، وسجنه في برج بالقلعة نحو خمسة أشهر، وأفرج عنه وأنزله إلى داره قريبا من المشهد النّفيسي بتربة شجر الدّرّ (٢)، فأقام نحو ستة أشهر، وأخرجه إلى قوص في سنة سبع وثلاثين


(١) فيما تقدم ٤٤٤.
(٢) ما تزال تربة شجر الدّرّ - التي أنشأتها سنة ٦٤٨ هـ/ ١٢٥٠ م قبل وفاتها - موجودة تحت قبّة داخل مسجد صغير أصله مدرسة أنشأتها شجر الدّرّ بجوار تربتها بشارع الخليفة أمام مشهد السيدة رقيّة ومسجلة بالآثار برقم ١٦٩.
Herz، M.، «Le tombeau de la Sultane Chagarat) el-Dorr»، CR du comite، exersice ١٩٠٠، pp. ١١٢ - ١٩; Creswell، K.A.C.، MAE II، pp. ١٣٦ - ٣٩؛ أبو -